بهذا السؤال من أن القرآن كلامه صلى الله عليه وسلم ولذلك قيد التبديل في الجواب بقوله من تلقاء نفسي وسماه عصيانا عظيما مستتبعا لعذاب عظيم بقوله تعالى «إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم» فإنه تعليل لمضمون ما قبله من امتناع التبديل واقتصار أمره صلى الله عليه وسلم على اتباع الوحي أي أخاف إن عصيته تعالى بتعاطى ما ليس لي من التبديل من تلقاء نفسي والإعراض عن اتباع الوحي عذاب يوم عظيم هو يوم القيامة أو يوم اللقاء الذي لا يرجونه وفيه إشعار بأنهم استوجبوه بهذا الاقتراح والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم لتهويل أمر العصيان وإظهار كمال نزاهته صلى الله عليه وسلم عنه وإيراد اليوم بالتنوين التفخيمي ووصفه بالعظم لتهويل ما فيه من العذاب وتفظيعه ولا مساغ لحمل مقترحهم على التبديل والإتيان بقرآن آخر من جهة الوحي بتفسير قوله تعالى ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي بأنه لا يتسهل لي أن أبدله بالاستدعاء من جهة الوحي ما أتبع إلا ما يوحى إلي من غير صنع ما من الاستدعاء وغيره من قبلي لأنه يرده التعليل المذكور لا لأن المقترح حينئذ ليس فيه معصية أصلا كما توهم فإن استدعاء تبديل الآيات النازلة حسبما تقتضيه الحكمة التشعريعية بعضها ببعض لا سيما بموجب اقتراح الكفرة مما لا ريب في كونه معصية بل لأنه ليس فيه معصية الافتراء مع أنها المقصودة بما ذكر في التعليل ألا يرى إلى ما بعده من الآيتين الكريمتين فإنه صريح في أن مقترحهم الإتيان بغير القرآن وتبديله بطريق الافتراء وأن زعمهم في الأصل أيضا كذلك وقوله عز وجل «قل لو شاء الله ما تلوته عليكم» تحقيق لحقية القرآن وكونه من عند الله تعالى إثر بيان بطلان ما اقترحوا الإتيان به واستحالته عبارة ودلالة وإنما صدر بالأمر المستقل مع كونه داخلا تحت الأمر السابق إظهارا لكمال الاعتناء بشأنه وإيذانا باستقلاله مفهوما وأسلوبا فإنه برهان دال على كونه بأمر الله تعالى ومشيئته كما سيأتي وما سبق مجرد أخبار باستحالة ما اقترحوه ومفعول شاء محذوف ينبئ عنه الجزاء لا غير ذلك كما قيل فإن مفعول المشيئة إنما يحذف إذا وقعت شرطا وكان مفعولها مضمون الجزاء ولم يكن في تعلقها به غرابة كما في قوله * ولو شئت أن أبكى دما لبكيته * حيث لم يحذف لفقدان الشرط الأخير ولأن المستلزم للجزاء أعنى عدم تلاوته صلى الله عليه وسلم للقرآن عليهم إنما هو مشيئته تعالى له لا مشيئته لغير القرآن والمعنى أن الأمر كله منوط بمشيئته تعالى وليس لي منه شئ قط ولو شاء عدم تلاوتى له عليكم لا بأن شاء عدم تلاوتى له من تلقاء نفسي بل بأن لم لنزله على ولم يأمرني بتلاوته كما ينبئ عنه إيثار التلاوة على القراءة ما تلوته عليكم «ولا أدراكم به» أي ولا أعلمكم به بواسطتى والتالي وهو عدم التلاوة والإدراء منتف فينتفى المقدم أعنى مشيئة عدم التلاوة ولا يخفى أنها مستلزمة لعدم مشيئة التلاوة قطعا فانتفاؤها مستلزم لانتفائه حتما وانتفاء عدم مشيئة التلاوة إنما يكون بتحقق مشيئة التلاوة فثبت أن تلاوته صلى الله عليه وسلم للقرآن بمشيئته تعالى وأمره وإنما قيدنا الإدراء بكونه
(١٢٩)