مبين تنزيل من رب العالمين وقوله عز وجل «فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا» استفهام إنكاري معناه الجحد أي لا أحد أظلم منه على معنى أنه أظلم من كل ظالم وإن كان سبك التركيب مفيدا لإنكار أن يكون أحد أظلم منه من غير تعرض لإنكار المساواة ونفيها فإنه إذا قيل من أفضل من فلان أولا أعلم منه يفهم منه حتما أنه أفضل من كل فاضل وأعلم من كل عالم وزيادة قوله تعالى كذبا مع أن الافتراء لا يكون إلا كذاك للإيذان بأن ما أضافوه إليه ضمنا وحملوه صلى الله عليه وسلم عليه صريحا مع كونه افتراء على الله تعالى كذب في نفسه فرب افتراء يكون كذبه في الإسناد فقط كما إذا أسند ذنب زيد إلى عمرو وهذا للمبالغة منه صلى الله عليه وسلم في التفادى عما ذكر من الافتراء على الله سبحانه «أو كذب بآياته» فكفر بها وهذا تظليم للمشركين بتكذيبهم للقرآن وحملهم على أنه من جهته صلى الله عليه وسلم والفاء لترتيب الكلام على ما سبق من بيان كون القرآن بمشيئته تعالى وأمره فلا مجال لحمل الافتراء على الافتراء باتخاذ الولد والشريك أي وإذا كان الأمر كذلك فمن افترى عليه تعالى بأن يختلق كلاما فيقول هذا من عند الله أو يبدل بعض آياته تعالى ببعض كما تجوزون ذلك في شأني وكذلك من كذب بآياته تعالى كما تفعلونه أظلم من كل ظالم «أنه» الضمير للشأن وقع اسما لأن والخبر ما يعقبه من الجملة ومدار وضعه موضعه ادعاء شهرته المغنية عن ذكره وفائدة تصديرها به الإيذان بفخامة مضمونها مع ما فيه من زيادة تقريره في الذهن فإن الضمير لا يفهم منه من أول الأمر إلا شأن مبهم له خطر فيبقى الذهن مترقبا لما يعقبه فيتمكن عند وروده عليه فضل تمكن فكأنه قيل إن الشأن هذا أي «لا يفلح المجرمون» أي لا ينجون من محذور ولا يظفرون بمطلوب والمراد جنس المجرمين فيندرج فيه المفترى والمكذب إندراجا أوليا «ويعبدون من دون الله» حكاية لجناية أخرى لهم نشأت عنها جنايتهم الأولى معطوفة على قوله تعالى وإذا تتلى عليهم الآية عطف قصة على قصة ومن دون متعلق بيعبدون ومحله النصب على الحالية من فاعله أي متجاوزين الله سبحانه لا بمعنى ترك عبادته بالكلية بل بمعنى عدم الاكتفاء بها وجعلها قرينا لعبادة الأصنام كما يفصح عنه سياق النطم الكريم «ما لا يضرهم ولا ينفعهم» أي ما ليس من شأنه الضر والنفع من الأصنام التي هي جمادات وما موصولة أو موصوفة وتقديم نفى الضرر لأن أدنى أحكام العبادة دفع الضرر الذي هو أول المنافع والعبادة أمر حادث مسبوق بالعدم الذي هو مظنة الضرر فحيث لم تقدر الأصنام على الضرر لم يوجد لإحداث العبادة سبب وقيل لا يضرهم إن تركوا عبادتها ولا ينفعهم إن عبدوها كان أهل الطائف يعبدون اللات وأهل مكة عزى ومناة وهبل وأسافا ونائلة «ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله» عن النضر بن الحرث إذا كان يوم القيامة يشفع لي اللات قيل إنهم كانوا يعتقدون أن المتولى لكل إقليم روح معين من أرواح الأفلاك
(١٣١)