«ويقولون» حكاية لجناية أخرى لهم معطوفة على قوله تعالى ويعبدون وصيغة المضارع لاستحضار صورة مقالتهم الشنعاء والدلالة على الاستمرار والقائلون أهل مكة «لولا أنزل عليه آية من ربه» أرادوا آية من الآيات التي اقترحوها كأنهم لفرط العتو والفساد ونهاية التمادي في المكابرة والعناد لم يعدوا البينات النازلة عليه صلى الله عليه وسلم من جنس الآيات واقترحوا غيرها مع أنه قد أنزل عليه من الآيات الباهرة والمعجزات المتكاثرة ما يضطرهم إلى الانقياد والقبول لو كانوا من أرباب العقول «فقل» لهم في الجواب «إنما الغيب لله» اللام للاختصاص العلمي دون التكويني فإن الغيب والشهادة في ذلك الاختصاص سيان والمعنى أن ما اقترحتموه وزعمتم أنه من لوازم النبوة وعلقتم إيمانكم بنزوله من الغيوب المختصة بالله تعالى لا وقوف لي عليه «فانتظروا» نزوله «إني معكم من المنتظرين» أي لما يفعل الله بكم لاجترائكم على مثل هذه العظيمة من جحود الآيات واقتراح غيرها وجعل الغيب عبارة عن الصارف عن إنزال الآيات المقترحة يأباه ترتيب الأمر بالانتظار على اختصاص الغيب به تعالى «وإذا أذقنا الناس رحمة» صحة وسعة «من بعد ضراء مستهم» أي خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم وإسناد المساس إلى الضراء بعد إسناد الإذاقة إلى ضمير الجلالة من الآداب القرآنية كما في قوله تعالى وإذا مرضت فهو يشفين ونظائره قيل سلط الله تعالى على أهل مكة القحط سبع سنين حتى كادوا يهلكون ثم رحمهم بالحيا فطفقوا يطعنون في آياته تعالى ويعادون رسوله صلى الله عليه وسلم ويكيدونه وذلك قوله تعالى «إذا لهم مكر في آياتنا» أي بالطعن فيها وعدم الاعتداد بها والاحتيال في دفعها وإذا الأولى شرطية والثانية جوابها كأنه قيل فاجؤوا وقع المكر منهم وتنكير مكر للتفخيم وفى متعلقة بالاستقرار الذي يتعلق به اللام «قل الله أسرع مكرا» أي أعجل عقوبة أي عذابه أسرع وصولا إليكم مما يأتي منكم في دفع الحق وتسمية العقوبة بالمكر لوقوعها في مقابلة مكرهم وجودا أو ذكرا «إن رسلنا» الذين يحفظون أعمالكم والإضافة للتشريف «يكتبون ما تمكرون» أي مكركم أو ما تمكرونه وهو تحقيق للانتقام منهم وتنبيه على أن ما دبروا في إخفائه غير خاف على الحفظة فضلا عن العليم الخبير وصيغة الاستقبال في الفعلين للدلالة على الاستمرار التجددي والجملة تعليل من جهته تعالى لأسرعية مكره سبحانه غير داخل في الكلام الملقن كقوله تعالى ولو جئنا بمثله مددا فإن كتابة الرسل لما يمكرون من مبادئ بطلان مكرهم وتخلف أثره عنه بالكلية وفيه من المبالغة ما لا يوصف وتلوين الخطاب بصرفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم للتشديد في التوبيخ وقرئ على لفظ الغيبة فيكون حينئذ تعليلا لما ذكر أو للأمر
(١٣٣)