تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ١٨٦
ويتغشى بثوبه ويقول هل يعلم الله ما في قلبي «يعلم ما يسرون» أي يضمرون في قلوبهم «وما يعلنون» أي يستوي بالنسبة إلى علمه المحيط سرهم وعلنهم فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه وإنما قدم السر على العلن نعيا عليهم من أول الأمر ما صنعوا وإيذانا بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه وتحقيقا للمساواة بين العلمين على أبلغ وجه فكأن علمه بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه ونظيره قوله تعالى قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله حيث قدم فيه الإخفاء على الإبداء على عكس ما وقع في قوله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله إذ لم يتعلق بإشعار أن المحاسبة بما يخفونه أولى منها بما يبدونه غرض بل الأمر بالعكس وأما ههنا فقد تعلق بإشعار كون تعلق علمه تعالى بما يسرونه أولى منه بما يعلنونه غرض مهم مع كونهما على السوية كيف لا وعلمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول الصورة بل وجود كل شيء في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى وفي هذا المعنى لا يختلف الحال بين الأشياء البارزة والكامنة وأما قوله تعالى وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون فحيث كان واردا بصدد الخطاب مع الملائكة عليهم السلام المنزه مقامهم عن اقتضاء التأكيد والمبالغة في الإخبار بإحاطة علمه تعالى بالظاهر والباطن لم يسلك فيه ذلك المسلك مع أنه وقع الغنية عنه بما قبله من قوله عز وجل إني أعلم غيب السماوات والأرض ويجوز أن يكون ذلك باعتبار أن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن إذ ما من شيء يعلن إلا وهو أو مباديه قبل ذلك مضمر في القلب فتعلق علمه سبحانه بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية «إنه عليم بذات الصدور» تعليل لما سبق وتقرير له واقع موقع الكبرى من القياس وفي صيغة الفعيل وتحلية الصدور بلام الاستغراق والتعبير عن الضمائر بعنوان صاحبيتها من البراعة ما لا يصفه الواصفون كأنه قيل إنه مبالغ في الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية المستكنة في صدورهم بحيث لا تفارقها أصلا فكيف يخفى عليه ما يسرون وما يعلنون ويجوز أن يراد بذات الصدور القلوب من قوله تعالى ولكن تعمى القلوب التي في الصدور والمعنى أنه عليم بالقلوب وأحوالها فلا يخفى عليه سر من أسرارها «وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها» غذاؤها اللائق بها من حيث الخلق ومن حيث الإيصال إليها بطريق طبيعي أو إرادي لتكفله إياه تفضلا ورحمة وإنما جيء به على طريق الوجوب اعتبارا لسبق الوعد وتحقيقا لوصوله إليها البتة وحملا للمكلفين على الثقة به تعالى والإعراض عن إتعاب النفس في طلبه «ويعلم مستقرها» محل قرارها في الأصلاب «ومستودعها» موضعها في الأرحام وما يجرى مجراها من البيض ونحوها وإنما خص كل من الاسمين بما خص به من المحلين لأن النطفة بالنسبة إلى الأصلاب في حيزها الطبيعي ومنشئها الخلقي وأما بالنسبة إلى الأرحام وما يجرى مجراها فهي مودعة فيها إلى وقت معين أو مسكنها من الأرض حين وجدت بالفعل ومودعها من المواد والمقار حين كانت بعد بالقوة ولعل تقديم محلها
(١٨٦)
مفاتيح البحث: الصّلب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308