المكابر اللجوج ودأب المفحم المحجوج «إن ربكم» كلام مستأنف سيق لإظهار بطلان تعجبهم المذكور وما بنوا عليه من المقالة الباطلة غب الإشارة إليه بالإنكار والتعجيب وحقق فيه حقية ما تعجبوا منه وصحة ما أنكروه بالتنبيه الإجمالي على بعض ما يدل عليها من شؤون الخلق والتقدير وأحوال التكوين والتدبير ويرشدهم إلى معرفتها بأدنى تذكير لاعترافهم به من غير نكير لقوله تعالى قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون وقوله تعالى قل من يرزقكم من السماء والأرض إلى قوله تعالى ومن يدبر الأمر فسيقولون الله أي إن ربكم ومالك أمركم الذي تتعجبون من أن يرسل إليكم رجلا منكم بالإنذار والتبشير وتعدون ما أوحى إليه من الكتاب الحكيم سحرا هو «الله الذي خلق السماوات والأرض» وما فيهما من أصول الكائنات «في ستة أيام» أي في ستة أوقات أو في مقدار ستة أيام معهودة فإن نفس اليوم الذي هو عبارة عن زمان كون الشمس فوق الأرض مما لا يتصور تحققه حين لا أرض ولا سماء وفى خلقها مدرجا مع القدرة التامة على إبداعها دفعة دليل على الاختيار واعتبار للنظار وحث لهم على التأنى في الأحوال والأطوار وأما تخصيص ذلك بالعدد المعين فأمر قد استأثر بعلم ما يستدعيه علام الغيوب جلت قدرته ودقت حكمته وإيثار صيغة الجمع في السماوات لما هو المشهور من الإيذان بأنها أجرام مختلفة الطباع متباينة الآثار والأحكام «ثم استوى على العرش» العرش هو الجسم المحيط بسائر الأجسام سمى به لارتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك فإن الأوامر والتدابير منه تنزل وقيل هو الملك ومعنى استوائه سبحانه عليه استيلاؤه عليه أو استواء أمره وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة له سبحانه بلا كيف والمعنى أنه سبحانه استوى على العرش على الوجه الذي عناه منزها عن التمكن والاستقرار وهذا بيان لجلالة ملكه وسلطانه بعد بيان عظمة شأنه وسعة قدرته بما مر من خلق هاتيك الأجرام العظام «يدبر الأمر» التدبير النظر في أدبار الأمور وعواقبها لتقع على الوجه المحمود والمراد ههنا التقدير على الوجه الأتم الأكمل والمراد بالأمر أمر ملكوت السماوات والأرض والعرش وغير ذلك من الجزيئات الحادثة شيئا فشيئا على أطوار شتى وأنحاء لا تكاد تحصى من المناسبات والمباينات في الذوات والصفات والأزمنة والأوقات أي يقدر ما ذكر من أمر الكائنات الذي ما تعجبوا منه من أمر البعث والوحي فرد من جملته وشعبة من دوحته ويهيىء أسباب كل منها حدوثا وبقاء في أوقاتها المعينة ويرتب مصالحها على الوجه الفائق والنمط اللائق حسبما تقتضيه الحكمة وتستدعيه المصلحة والجملة في محل النصب على أنها حال من ضمير استوى وقد جوز كونها خبرا ثانيا لأن أو مستأنفة لا محل لها من الإعراب مبنية على سؤال نشأ من ذكر الاستواء على العرش المنبىء عن إجراء أحكام الملك وعلى كل حال فإيثار صيغة المضارع للدلالة على تجدد التدبير واستمراره وقوله عز وجل «ما من شفيع»
(١١٨)