بواسطته صلى الله عليه وسلم لأن عدم الإعلام مطلقا ليس من لوازم الشرط الذي هو مشيئة عدم تلاوته صلى الله عليه وسلم فلا يجوز نظمه في سلك الجزاء وفى إسناد عدم الإدراء إليه تعالى المنبىء عن استناد الإدراء إليه تعالى إيذان بأن لا دخل له صلى الله عليه وسلم في ذلك حسبما يقتضيه المقام وقرئ ولا أدرأتكم ولا أدرأكم بالهمزة فيهما على لغة من يقول أعطأت وأرضأت في أعطيت وأرضيت أو على أنه من الدرء بمعنى الدفع أي ولا جعلتكم بتلاوته عليكم خصماء تدرءوننى بالجدال وقرئ ولا أنذرتكم به وقرئ لأدراكم بلام الجواب أي لو شاء الله ما تلوته عليكم أنا ولأعلمكم به على لسان غيرى على معنى إنه الحق الذي لا محيص عنه لو لم أرسل به أنا لأرسل به غيرى البتة أو على معنى أنه تعالى يمن على من يشاء فخصنى بهذه الكرامة «فقد لبثت فيكم عمرا» تعليل للملازمة المستلزمة لكون تلاوته بمشيئة الله تعالى وأمره حسبما بين آنفا لكن لا بطريق الاستدلال عليها بعدم تلاوته صلى الله عليه وسلم فيما سبق بسبب مشيئته تعالى إياه بل بطريق الاستشهاد عليها بما شاهدوا منه صلى الله عليه وسلم في تلك المدة الطويلة من الأمور الدالة على استحالة كون التلاوة من جهته صلى الله عليه وسلم بلا وحى وعمرا نصب على التشبيه بظرف الزمان والمعنى قد أقمت فيما بينكم دهرا مديدا مقدار أربعين سنة تحفظون تفاصيل أحوالي طرا وتحيطون بما لدى خبرا «من قبله» أي من قبل نزول القرآن لا أتعاطى شيئا مما يتعلق به لا من حيث نظمه المعجز ولا من حيث معناه الكاشف عن أسرار الحقائق وأحكام الشرائع «أفلا تعقلون» أي ألا تلاحظون ذلك فلا تعقلون امتناع صدوره عن مثلي ووجوب كونه منزلا من عند الله العزيز الحكيم فإنه غير خاف على من له عقل سليم والحق الذي لا محيد عنه أن من له أدنى مسكة من العقل إذا تأمل في أمره صلى الله عليه وسلم وأنه نشأ فيما بينهم هذا الدهر الطويل من غير مصاحبة العلماء في شأن من الشؤون ولا مراجعة إليهم في فن من الفنون ولا مخالطة البلغاء في المفاوضة والحوار ولا خوض معهم في إنشاء الخطب والأشعار ثم أتى بكتاب بهرت فصاحته كل فصيح فائق وبذت بلاغته كل بليغ رائق وعلا نظمه كل منثور ومنظوم وحوى فحواه بدائع أصناف العلوم كاشف عن أسرار الغيب من وراء أستار الكمون ناطق بأخبار ما قد كان وما سيكون مصدق لما بين يديه من الكتب المنزلة مهيمن عليها في أحكامها المجملة والمفصلة لا يبقى عنده شائب اشتباه في أنه وحى منزل من عند الله هذا هو الذي اتفقت عليه كلمة الجمهور ولكن الأنسب ببناء الجواب فيما سلف على مجرد امتناع صدور التغيير والتبديل عنه صلى الله عليه وسلم لكونه معصية موجبة للعذاب العظيم واقتصار حاله صلى الله عليه وسلم على اتباع الوحي وامتناع الاستبداد بالرأي من غير تعرض هناك ولا ههنا لكون القرآن في نفسه أمرا خارجا عن طوق البشر ولا لكونه صلى الله عليه وسلم غير قادر على الإتيان بمثله أن يستشهد ههنا على المطلب بملا يلائم ذلك من أحواله المستمرة في تلك الكدة المتطاولة من كمال نزاهته صلى الله عليه وسلم عما يوهم شائبة صدور الكذب والافتراء عنه في حق أحد كائنا من كان كما ينبئ عنه تعقيبه بتظليم المفترى على الله تعالى والمعنى قد لبثت فيما بين ظهرانيكم قبل الوحي لا أتعرض لأحد قط بتحكم ولا جدال ولا أحوم حول مقال فيه شائبة شبهة فضلا عما فيه كذب أو افتراء ألا تلاحظون فلا تعقلون أن من هذا شأنه المطرد في هذا العهد البعيد مستحيل أن يفترى على الله عز وجل ويتحكم على كافة الخلق بالأوامر والنواهي الموجبة لسلب الأموال وسفك الدماء ونحو ذلك وأن ما أتى به وحى
(١٣٠)