بكمال رخاوة ما بين الفريقين من العلاقة والوصلة أي ففرقنا بينهم وقطعنا أقرانهم والوصل التي كانت بينهم في الدنيا لكن لا من الجانبين بل من جانب العبدة فقط لعدم احتمال شمول الشركاء للشياطين كما سيجئ فخابت آمالهم وانصرمت عرى أطماعهم وحصل لهم اليأس الكلى من حصول ما كانوا يرجونه من جهتهم والحال وإن كانت معلومة لهم من حين الموت والابتلاء بالعذاب لكن هذه المرتبة من اليقين إنما حصلت عند المشاهدة والمشافهة وقيل المراد بالتزييل التفريق الحسى أي فباعدنا بينهم بعد الجمع في الموقف وتبرؤ شركائهم منهم ومن عبادتهم كما في قوله أينما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا فالواو حينئذ في قوله تعالى «وقال شركاؤهم» حالية بتقدير كلمة قد عند من يشترطها وبدونه عند غيره لا عاطفة كما في التفسير الأول لاستدعاء المحاورة المحاضرة الفائتة بالمباعدة وليس في ترتيب التزييل بهذا المعنى على الأمر بلزوم المكان ما في ترتيبه عليه بالمعنى الأول من النكتة المذكورة ليصار لأجل رعايتها إلى تغيير الترتيب الخارجي فإن المباعدة بعد المحاورة حتما وأما قطع الأقران والعلائق فليس كذلك بل ابتداؤه حاصل من حين الحشر بل بعض مراتبه حاصل قبله أيضا وإنما الحاصل عند المحاورة أقصاها كما أشير إليه فلا اعتداد بما في تقديمه من التغيير لا سيما مع رعاية ما ذكر من النكتة ولو سلم تأخر جميع مراتبه عن المحاورة فمراعاة تلك النكتة كافية في استدعاء تقديمه عليها ويجوز أن تكون حالية على هذا التقدير أيضا والمراد بالشركاء قيل الملائكة وعزيز والمسيح وغيرهم ممن عبدوه من أولى العلم ففيه تأييد لرجوع الضمير إلى الكل وقولهم «ما كنتم إيانا تعبدون» عبارة عن تبرئهم من عبادتهم وأنهم إنما عبدوا في الحقيقة أهواءهم وشياطينهم الذين أغووهم لأنها الآمرة لهم بالإشراك دونهم كقولهم سبحانك أنت ولينا من دونهم الآية وقيل الأصنام ينطقها الله الذي أنطق كل شئ فتشافههم بذلك مكان الشفاعة التي كانوا يتوقعونها «فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم» فإنه العليم الخبير «إن كنا عن عبادتكم لغافلين» أي عن عبادتكم لنا وتركه للظهور وللإيذان بكمال الغفلة عنها والغفلة عبارة عن عدم الارتضاء وإلا فعدم شعور الملائكة بعبادتهم لهم غير ظاهر وهذا يقطع احتمال كون المراد بالشركاء الشياطين كما قيل فإن ارتضاءهم بإشراكهم مما لا ريب فيه وإن لم يكونوا مجبرين لهم على ذلك وإن مخففة من إن واللام فارقة هنالك أي في ذلك المقام الدهش أو في ذلك الوقت على استعارة ظرف المكان للزمان تبلو أي تختبر وتذوق «كل نفس» مؤمنة كانت أو كافرة سعيدة أو شقية «ما أسلفت» من العمل وتعاينه بكنهه مستتبعا لآثاره من نفع أو ضر وخير أو شر وأما ما علمت من حالها من حين الموت والابتلاء بالعذاب في البرزخ فأمر مجمل وقرئ نبلو بنون العظمة ونصب كل وإبدال ما منه أي نعاملها معاملة من يبلوها ويتعرف أحوالها من السعادة والشقاوة باختبار ما أسلفت من العمل ويجوز أن يراد نصيب بالبلاء أي العذاب
(١٤٠)