تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ١٢٥
من الحساب والجزاء أشير إلى بعض من عظائم معاصيهم المتفرعة على ذلك وهو استعجالهم بما أوعدوا به من العذاب تكذيبا واستهزاء وإيرادهم باسم الجنس لما أن تعجيل الخير لهم ليس دائرا على وصفهم المذكور إذ ليس كل ذلك بطريق الاستدراج أي لو يعجل الله لهم «الشر» الذي كانوا يستعجلون به فإنهم كانوا يقولون اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ونحو ذلك وقوله تعالى «استعجالهم بالخير» نصب على أنه مصدر تشبيهى وضع موضع مصدر ناصبه دلالة على اعتبار الاستعجال في جانب المشبه كاعتبار التعجيل في جانب المشبه به وإشعارا بسرعة إجابته تعالى لهم حتى كان استعجالهم بالخير نفس تعجيله لهم والتقدير ولو يعجل الله لهم الشر عند استعجالهم به تعجيلا مثل تعجيله لهم الخير عند استعجالهم به فحذف ما حذف تعويلا على دلالة الباقي عليه «لقضي إليهم أجلهم» لأدى إليهم الأجل الذي عين لعذابهم وأميتوا وأهلكوا بالمرة وما أمهلوا طرفة عين وفى إيثار صيغة المبنى للمفعول جرى على سنن الكبرياء مع الإيذان بتعين الفاعل وقرئ على البناء للفاعل كما قرىء لقضينا واختيار صيغة الاستقبال في الشرط وإن كان المعنى على المضي لإفادة أن عدم قضاء الأجل لاستمرار عدم التعجيل فإن المضارع المنفى الواقع موقع الماضي ليس بنص في إفادة انتفاء استمرار الفعل بل قد يفيد استمرار انتفائه أيضا بحسب المقام كما حقق في موضعه واعلم أن مدار الإفادة في الشرطية أن يكون التالي أمرا مغايرا للمقدم في نفسه مترتبا عليه في الوجود كما في قوله عز وجل لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم فإن العنت أي الوقوع في المشقة والهلاك أمر مغاير لطاعته صلى الله عليه وسلم لهم مترتب عليها في الوجود أو يكون فردا كاملا من أفراده ممتازا عن البقية بأمر يخصه كما في الأجوبة المحذوفة في مثل قوله تعالى ولو ترى إذ وقفوا على ربهم وقوله تعالى ولو ترى إذ وقفوا على النار وقوله تعالى ولو ترى إذ المجرمون ونظائرها أي لرأيت أمرا هائلا فظيعا أو نحو ذلك وكما في قوله تعالى ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها ما دابة إذا فسر الجواب بالاستئصال فإنه فرد كامل من أفراد مطلق المؤاخذة قد عبر عنه بما لا مزيد عليه في الدلالة على الشدة والفظاعة فحسن موقعه في معرض التالي للمؤاخذة المطلقة وأما ما نحن فيه من القضاء فليس بأمر مغاير لتعجيل الشر في نفسه وهو ظاهر بل هو إما نفسه أو جزئي منه كسائر جزئياته من غير مزية على البقية إذ لم يعتبر في مفهومه ما ليس في مفهوم تعجيل الشر من الشدة والهول فلا يكون في ترتبه عليه وجودا أو عدها مزيد فائدة مصححة لجعله تاليا له فالحق أن المقدم ليس نفس التعجيل المذكور بل هو إرادته المستتبعة للقضاء المذكور وجودا وعدما كما في قوله تعالى لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب أي لو يريد مؤاخذتهم فإن تعجيل العذاب لهم نفس المؤاخذة أو جزئي من جزئياتها غير ممتاز عن البقية فليس في بيان ترتبه عليها وجودا أو عدما مزيد فائدة وإنما الفائدة في بيان ترتبه على إرادتها حسبما ذكر وأيضا في ترتب التالي على إرادة المقدم ما ليس في ترتبه على نفسه من الدلالة على المبالغة وتهويل الأمر والدلالة على أن الأمور منوطة بإرادته تعالى المبنية على الحكم البالغة «فنذر الذين لا يرجون لقاءنا» بنون العظمة الدالة على التشديد في الوعيد وهو عطف على مقدر تنبىء عنه الشرطية كأنه قيل لكن لا نفعل ذلك لما تقتضيه
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308