وقرئ شرعة بفتح الشين قيل فيه دليل على أنا غير متعبدين بشرائع من قبلنا والتحقيق أنا متعبدون بأحكامها الباقية من حيث أنها أحكام شرعتنا لا من حيث أنها شرعة للأولين «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة» متفقة على دين واحد في جميع الأعصار من غير اختلاف بينكم وبين من قبلكم من الأمم في شيء من الأحكام الدينية ولا نسخ ولا تحويل ومفعول المشيئة محذوف تعويلا على دلالة الجزاء عليه أي ولو شاء الله أن يجعلكم أمة واحدة لجعلكم الخ وقيل المعنى لو شاء الله اجتماعكم على الإسلام لأجبركم عليه «ولكن ليبلوكم» متعلق بمحذوف يستدعيه النظام أي ولكن لم يشأ ذلك أي لأن يجعلكم أمة واحدة بل شاء ما عليه السنة الإلهية الجارية فيما بين الأمم ليعاملكم معاملة من يبتليكم «في ما آتاكم» من الشرائع المختلفة المناسبة لأعصارها وقرونها هل تعملون بها مذعنين لها معتقدين أن اختلافها بمقتضى المشيئة الإلهية المبنية على أساس الحكم البالغة والمصالح النافعة لكم في معاشكم ومعادكم أو تزيغون عن الحق وتتبعون الهوى وتستبدلون المضرة بالجدوى وتشترون الضلالة بالهدى وبهذا اتضح أن مدار عدم المشيئة المذكورة ليس مجرد الابتلاء بل العمدة في ذلك ما أشير إليه من انطواء الاختلاف على ما فيه مصلحتهم معاشا ومعادا كما ينبئ عنه قوله عز وجل «فاستبقوا الخيرات» أي إذا كان الأمر كما ذكر فسارعوا إلى ما هو خير لكم في الدارين من العقائد الحقة والأعمال الصالحة المندرجة في القرآن الكريم وابتدروها انتهاز للفرصة وإحرازا لسابقة الفضل والتقدم ففيه من تأكيد الترغيب في الإذعان للحق وتشديد التحذير عن الزيغ ما لا يخفى وقوله تعالى «إلى الله مرجعكم» استئناف مسوق مساق التعليل لاستباق الخيرات بما فيه من الوعد والوعيد وقوله تعالى «جميعا» حال من ضمير الخطاب والعامل فيه إما المصدر المنحل إلى حرف مصدري وفعل مبني للفاعل أو مبني للمفعول وإما الاستقرار المقدر في الجار «فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون» أي فيفعل بكم من الجزاء الفاصل بين المحق والمبطل ما لا يبقى لكم معه شائبة شك فيما كنتم فيه تختلفون في الدنيا وإنما عبر عن ذلك بما ذكر لوقوعه موقع إزالة الاختلاف التي هي وظيفة الإخبار «وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم» عطف على الكتاب أي أنزلنا إليك الكتاب والحكم بما فيه والتعرض لعنوان إنزاله تعالى غياه لتأكيد وجوب الامتثال بالأمر أو على الحق أي أنزلناه بالحق وبأن احكم وحكاية إنزال الأمر بهذا الحكم بعد ما مر من الأمر الصريح بذلك تأكيد له وتمهيد لما يعقبه من قوله تعالى «واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك» أي يصرفوك عن بعضه ولو كان أقل قليل بتصوير الباطل بصورة الحق وإظهار الاسم الجليل لتأكيد الأمر بتهويل الخطب وأن بصلته بدل اشتمال من ضميرهم أي احذر فتنتهم أو مفعول له أي
(٤٦)