بهذا العنوان جنس برأسه وإن كان في نفسه نوعا مخصوصا من مدلول لفظ الكتاب وعن هذا قالوا اللام للعهد إلا أن ذلك لا ينتهي إلى خصوصية الفردية بل إلى خصوصية النوعية التي هي أخص من مطلق الكتاب وهو ظاهر ومن الكتاب السماوي أيضا حيث خص بما عدا القرآن «ومهيمنا عليه» أي رقيبا على سائر الكتب المحفوظة من التغيير لأنه يشهد لها بالصحة والثبات ويقرر أصول شرائعها وما يتأبد من فروعها ويعين أحكامها المنسوخة ببيان انتهاء مشروعيتها المستفادة من تلك الكتاب وانقضاء وقت العمل بها ولا ريب في أن تمييز أحكامها الباقية على المشروعية ابدا عما انتهى وقت مشروعيته وخرج عنها من أحكام كونه مهيمنا عليه وقرئ ومهيمنا عليه على صيغة المفعول أي هو من عليه وحوفظ من التغيير والتبديل كقوله عز وجل ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والحافظ إما من جهته تعالى كما في قوله إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون أو الحفاظ في الأعصار والأمصار والفاء في قوله تعالى «فاحكم بينهم» لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن كون شأن القرآن العظيم حقا مصدقا لما قبله من الكتب المنزلة على الأمم مهيمنا عليه من موجبات الحكم المأمور به أي إذا كان القرآن كما ذكر فاحكم بين أهل الكتابين عند تحاكمهم إليك «بما أنزل الله» أي بما أنزله إليك فإنه مشتمل على جميع الأحكام الشرعية الباقية في الكتب الإلهية وتقديم بينهم للاعتناء ببيان تعميم الحكم لهم ووضع الموصول موضع الضمير للتنبيه على علية ما في حين الصلة للحكم والالتفات بإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة والإشعار بعلة الحكم «ولا تتبع أهواءهم» الزائغة «عما جاءك من الحق» الذي لا محيد عنه وعن متعلقه بلا تتبع على تضمين معنى العدول ونحوه كأنه قيل ولا تعدل عما جاءك من الحق متبعا أهواءهم وقيل بمحذوف وقع حالا من فاعله أي لا تتبع أهواءهم عادلا عما جاءك وفيه أن ما وقع حالا لا بد أن يكون فعلا عاما ووضع الموصول موضع ضمير الموصول الأول للإيماء بما في حيز الصلة من مجىء الحق إلى ما يوجب كمال الاجتناب عن اتباع الأهواء وقوله تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» كلام مستأنف جيء به لحمل أهل الكتابين من معاصريه صلى الله عليه وسلم على الانقياد لحكمه بما أنزل إليه من القرآن الكريم ببيان أنه هو الذي كلفوا العمل به دون غيره من الكتابين وإنما الذين كلفوا العمل بهما من مضي قبل نسخهما من الأمم السالفة والخطاب بطريق التلوين والالتفات للناس كافة لكن لا للموجودين خاصة بل للماضين أيضا بطريق التغليب واللام متعلقة بجعلنا المتعدي لواحد وهو إخبار بجعل ماض لا إنشاء وتقديمها عليه للتخصيص ومنكم متعلق بمحذوف وقع صفة لما عوض عنه تنوين كل ولا ضير في توسط جعلنا بين الصفة والموصوف كما في قوله تعالى أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات الخ والمعنى لكل أمة كائنة منكم أيها الأمم الباقية والخالية جعلنا أي عينا ووضعنا شرعة ومنهاجا خاصين بتلك الأمة لا تكاد أمة تتخطى شرعتها التي عينت لها فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى عليهما السلام شرعتهم التوراة والتي كانت من مبعث عيسى إلى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم شرعتهم الإنجيل وأما أنتم أيها الموجودون فشرعتكم القرآن ليس إلا فآمنوا به واعملوا بما فيه والشرعة والشريعة هي الطريقة إلى الماء شبه بها الدين لكونه سبيلا موصولا إلى ما هو سبب للحياة الأبدية كما أن سبب للحياة الأبدية كما أن الماء سبب للحياة الفانية والمنهاج الطريق الواضح في الدين من نهج الأمر إذا وضح
(٤٥)