والسلام وشواهد نبوته وما قررته الشريعة الشريفة من أحكامه وما أحكامه المنسوخة فليس الحكم بها حكما بما أنزل الله فيه بل هو إبطال وتعطيل له إذ هو شاهد بنسخها وانتهاء وقت العمل بها لأن شهادته بصحة ما ينسخها من الشريعة شهادة ينسخها وبأن احكامه ما قررته تلك الشريعة التي شهد بصحتها كما سيأتي في قوله تعالى يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل الآية وقيل هو حكاية للأمر الوارد عليهم بتقدير فعل معطوف على آتيناه أي وقلنا ليحكم أهل الإنجيل الخ وقرئ وأن ليحكم على أن أن موصولة بالأمر كما في قولك أمرته بأن قم كأنه قيل وآتيناه الإنجيل وأمرنا بأن يحكم أهل الإنجيل الخ وقرئ على صيغة المضارع ولام التعليل على أنها متعلقة بمقدر كأنه قيل وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه آتيناه وإياه وقد عطف على هجى وموعظة على أنهما مفعول لهما كأنه قيل وللهدى والموعظة آتيناه إياه وللحكم بما أنزل الله فيه «ومن لم يحكم بما أنزل الله» منكرا له مستهينا به «فأولئك هم الفاسقون» المتمردون الخارجون عن الإيمان والجملة تذييل مقرر لمضمون الجملة السابقة ومؤكد لوجوب الامتثال بالآمر وفيه دلالة على أن الإنجيل مشتمل على الأحكام وأن عيسى عليه السلام كان مستقلا بالشرع مأمورا بالعمل بما فيه من الأحكام قلت أو كثرت لا بما في التوراة خاصة وحمله على معنى وليحكم بما أنزل الله فيه من إيجاب العمل بأحكام التوراة خلاف الظاهر «وأنزلنا إليك الكتاب» أي الفرد الكامل الحقيقي بأن يسمى كتابا على الإطلاق لحيازته جميع الأوصاف الكمالية لجنس الكتاب السماوي وتفوقه على بقية أفراده وهو القرآن الكريم فاللام للعهد والجملة عطف على أنزلنا وما عطف عليه وقوله تعالى «بالحق» متعلق بمحذوف وقع حالا مؤكدة من الكتاب أي ملتبسا بالحق والصدق وقيل من فاعل أنزلنا وقيل من الكاف في إليك وقوله تعالى «مصدقا لما بين يديه» حال من الكتاب أي حال كونه مصدقا لما تقدمه إما من حيث إنه نازل حسبما نعت فيه أو من حيث أنه موافق له في القصص والمواعيد والدعوة إلى الحق والعدل بين الناس والنهي عن المعاصي والفواحش وأما ما يتراءى من مخالفته له في بعض جزئيات الأحكام المتغيرة بسبب تغير الأعصار فليست بمخالفة في الحقيقة بل هي موافقة لها من حيث إن كلا من تلك الأحكام حق بالإضافة إلى عصره متضمن للحكمة التي عليها يدور أمر الشريعة وليس في المتقدم دلالة على أبدية أحكامه المنسوخة حتى يخالفه الناسخ المتأخرون وإنما يدل على مشروعيتها مطلقا من غير تعرض لبقائها وزوالها بل نقول هو ناطق بزوالها لما أن النطق بصحة ما ينسخها نطق ينسخها وزوالها وقوله تعالى «من الكتاب» بيان لما واللام للجنس إذ المراد هو الكتاب السماوي وهو
(٤٤)