تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٣ - الصفحة ٢١٠
أصلا فكيف بمن يمكن ذلك منه والتنوين للتحقير والجار في قوله تعالى «منه» متعلق بحرج يقال حرج منه أي ضاق به صدره أو بمحذوف وقع صفة له أي حرج كائن منه أي لا يكن فيك شك ما في حقيته أو في كونه كتابا منزلا إليك من عنده تعالى فالفاء على الأول لترتيب النهي أو الانتهاء على مضمون الجملة فإنه مما يوجب انتفاء الشك فيما ذكر بالكلية وحصول اليقين به قطعا وأما على الثاني فهي لترتيب ما ذكر على الإخبار بذلك لا على نفسه فتدبرو توجيه النهي إلى الحرج مع أن المراد نهيه عليه الصلام والسلام عنه إما لما مر من المبالغة في تنزيهه عليه الصلاة والسلام عن الشك فيما ذكر فإن النهي عن الشيء مما يوهم إمكان صدور المنهي عنه عن المهي عنه وإما للمبالغة في النهي فإن وقوع الشك في صدره عليه الصلاة والسلام سبب لاتصافه عليه الصلاة والسلام به والنهي عن السبب نهي عن المسبب بالطريق البرهاني ونفي له من أصله بالمرة كما في قوله تعالى ولا يجرمنكم شنآن قوم الآية وليس هذا من قبيل لا أرينك ههنا فإن النهي هناك وارد على المسبب مرادا به النهي عن السبب فيكون المآل نهيه عليه الصلاة والسلام عن تعاطي ما يورث الحرج فتأمل وقيل الحرج على حقيقته أي لا يكن فيك ضيق صدر من تبليغه مخافة أن يكذبوك وأن تقصر في القيام بحقه فإنه عليه الصلاة والسلام كان يخاف تكذيب قومه له وإعراضهم عنه فكان يضيق صدره من الأداء ولا ينبسط له فآمنه الله تعالى ونهاه عن المبالاة فالفاء حينئذ للترتيب على مضمون الجملة أو على الإخبار به فإن كلا منهما موجب للإقدام على التبليغ وزوال الخوف قطعا وإن كان إيجابه الثاني بواسطة الأول وقوله تعالى «لتنذر به» أي بالكتاب المنزل متعلق بأنزل وما بينهما اعتراض توسط بينهما تقريرا لما قبله وتمهيدا لما بعده وحسما لتوهم أن مورد الشك هو الإنزال للإنذار وقيل متعلق بالنهي فإن انتفاء الشك في كونه منزلا من عنده تعالى موجب للإنذار به قطعا وكذا انتفاء الخوف منهم أو العلم بأنه موفق للقيام بحقه موجب للتجاسر على ذلك وأنت خبير بأنه لا يتأتى التفسير الأول لأن تعليل النهي عن الشك بما ذكر من الإنذار والتذكير مع إيهامه لإمكان صدوره عنه عليه الصلاة والسلام مشعر بأن المنهي عنه ليس محذورا لذاته بل لإفضائه إلى فوات الإنذار والتذكير لا أقل من الإيذان بأن ذلك معظم غائلته ولا ريب في فساده وأما على التفسير الثاني فإنما يتأتى التعليل بالإنذار لا بتذكير المؤمنين إذ ليس فيه شائبة خوف حتى يجعل غاية لانتفائه وقوله تعالى «وذكرى للمؤمنين» في حين النصب بإضمار فعله معطوفا على تنذر أي وتذكر المؤمنين تذكيرا أو الجر عطفا على محل أن تنذر أي للإنذار والتذكير وقيل مرفوع عطفا على كتاب أو خبر لمبتدأ محذوف وتخصيص التذكير بالمؤمنين للإيذان باختصاص الإنذار بالكفرة أي لتنذر به المشركين وتذكر المؤمنين وتقديم الإنذار لأنه أهم بحسب المقام «اتبعوا ما أنزل إليكم» كلام مستأنف خوطب به كافة المكلفين بطريق التلوين وأمروا باتباع ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم قبله بتبليغه بطريق الإنذار والتذكير وجعله منزلا إليهم بواسطة إنزاله إليه عليه الصلاة والسلام أثر ذكر ما يصححه من الإنذار والتذكير لتأكيد وجوب اتباعه وقوله تعالى
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 5 - سورة المائدة قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود 2
2 قوله تعالى: ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل. 14
3 قوله تعالى: واتل عليهم بناء بني آدم بالحق. 26
4 قوله تعالى: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر. 36
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. 47
6 قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. 60
7 (الجزء السابع) قوله تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا. 71
8 قوله تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس. 82
9 قوله تعالى: يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم. 93
10 6 _ سورة الأنعام 104
11 قوله تعالى: وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم. 116
12 قوله تعالى: إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله. 129
13 قوله تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. 143
14 قوله تعالى: وإذا قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة. 151
15 قوله تعالى: إن الله فالق الحب والنوى. 164
16 (الجزء الثامن) قوله تعالى: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة. 174
17 قوله تعالى: لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون. 184
18 قوله تعالى: هو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات. 191
19 قوله تعالى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا. 197
20 7 - سورة الأعراف قوله تعالى: المص. 209
21 قوله تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا. 224
22 قوله تعالى: وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. 230
23 قوله تعالى: وإلى عاد أخاهم هودا و قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 237
24 (الجزء التاسع) قوله تعالى: قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنكما شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا. 248
25 قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون. 260
26 قوله تعالى: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة و أتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة. 268
27 قوله تعالى: واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة و في الآخرة إنا هدنا إليك. 278
28 قوله تعالى: وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة و ظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه. 289
29 قوله تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها. 302