وقوله تعالى «دينا» بدل من إلى صراط فإن محله النصب كما في قوله تعالى ويهديك صراطا مستقيما أو مفعول لفعل مضمر يدل عليه المذكور «قيما» مصدر نعت به مبالغة والقياس قوما كعوض فأعل لإعلال فعله كالقيام وقرئ قيما وهو فعيل من قام كسيد من ساد وهو أبلغ من المستقيم باعتبار الزنة وإن كان هو أبلغ منه باعتبار الصيغة «ملة إبراهيم» عطف بيان لدينا «حنيفا» حال من إبراهيم أي مائلا عن الأديان الباطلة وقوله تعالى «وما كان من المشركين» اعتراض مقرر لنزاهته صلى الله عليه وسلم عما عليه المفرقون لدينه من عقد وعمل أي ما كان منهم في أمر من أمور دينهم أصلا وفرعا صرح بذلك ردا على الذين يدعون أنهم على ملته عليه السلام من أهل مكة واليهود والمشركين بقولهم عزيرا ابن الله والنصارى المشركين بقولهم المسبح ابن الله «قل إن صلاتي ونسكي» أعيد الأمر لما أن المأمور به متعلق بفروع الشرائع وما سبق أصولها أي عبادتي كلها وقيل وذبحي جمع بينه وبين الصلاة كما في قوله تعالى فصل لربك وانحر وقيل صلاتي وحجي «ومحياي ومماتي» أي وما أنا عليه في حياتي وما أكون عليه عند موتي من الإيمان والطاعة أو طاعات الحياة الخيرات المضافة إلى الممات كالوصية والتدبير وقرئ محياي بسكون الياء إجراء للوصل مجرى الوقف «لله رب العالمين» «لا شريك له» خالصة له لا أشرك فيها غيره «وبذلك» إشارة إلى الإخلاص وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو رتبته وبعد منزلته في الفضل أي بذلك الإخلاص «أمرت» لا بشيء غيره وقوله تعالى «وأنا أول المسلمين» لبيان مسارعته عليه السلام إلى الامتثال بما أمر به وأن ما أمر به ليس من خصائصه عليه السلام بل الكل مأمورون به ويقتدي به عليه السلام من أسلم منهم «قل أغير الله أبغي ربا» فأشركه في العبادة «وهو رب كل شيء» جملة حالة مؤكدة للإنكار أي والحال أن كل ما سواه مربوب له مثلي فكيف يتصور أن يكون شريكا لي في المعبودية «ولا تكسب كل نفس إلا عليها» كانوا يقولون للمسلمين اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم إما بمعنى ليكتب علينا ما عملتم من الخطايا لا عليكم وإما بمعنى لنحمل يوم القيامة ما كتب عليكم من الخطايا فهذا رد له بالمعنى الأول أي لا تكون جناية نفس من النفوس إلا عليها ومحال أن يكون صدورها عن شخص وقرارها على شخص آخر حتى يتأتى ما ذكرتم وقوله تعالى «ولا تزر وازرة وزر أخرى» رد له بالمعنى الثاني أي لا تحمل يومئذ نفس حاملة حمل نفس أخرى حتى يصح قولكم «ثم إلى ربكم مرجعكم» تلوين للخطاب وتوجيه له إلى الكل لتأكيد الوعد وتشديد الوعيد أي إلى مالك أموركم ورجوعكم يوم القيامة «فينبئكم» يومئذ «بما كنتم فيه تختلفون» ببيان الرشد من الغي وتمييز الحق من الباطل
(٢٠٧)