فنزلهما على الكل من الشجرة وفيه تنبيه على أنه أهبطهما بذلك من درجة عالية فإن التدلية والإدلاء إرسال الشيء من الأعلى إلى السفل «بغرور» بما غرهما به من القسم فإنهما ظنا أن أحدا لا يقسم بالله كاذبا أو متلبسين بغرور «فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما» أي فلما وجدا طعمها آخذين في الأكل منها أخذتهما العقوبة وشؤم المعصية فتهافت عنهما لباسهما وظهرت لهما عوراتهما واختلف في أن الشجرة كانت السنبلة والكرم أو غيرهما وأن اللباس كان نورا أو ظفرا «وطفقا يخصفان» طفق من أفعال الشروع والتلبس كأخذ وجعل وأنشأ وهب وانبرى أي أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة «عليهما من ورق الجنة» قيل كان ذلك ورق التين وقرئ يخصفان من أخصف أي يخصفان أنفسهما ويخصفان من التخصيف ويخصفان أصله يختصفان «وناداهما ربهما» مالك أمرهما بطريق العتاب والتوبيخ «ألم أنهكما» وهو تفسير للنداء فلا محل له من الإعراب أو معمول لقول محذوف أي وقال أو قائلا ألم أنهكما «عن تلكما الشجرة» ما في اسم الإشارة من معنى البعد لما أنه إشارة إلى الشجرة التي نهى عن قربانها «وأقل لكما» عطف على أنهكما أي ألم أقل لكما «إن الشيطان لكما عدو مبين» وهذا عتاب وتوبيخ على الاغترار بقول العدو كما أن الأول عتاب على مخالفة النهي قيل فيه دليل على أن مطلق النهي للتحريم ولكما متعلق بعدو لما فيه من معنى الفعل أو بمحذوف هو حال من عدو ولم يحك هذا القول ههنا وقد حكى في سورة طه بقوله تعالى إن هذا عدو لك ولزوجك الآية روي أنه تعالى قال لآدم ألم يكن فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة فقال بلى وعزتك ولكن ما ظننت أن أحدا من خلقك يحلف بك كاذبا قال فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدا فاهبط وعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وسقى وحصد ودرس وذرى وعجن وخبز «قالا ربنا ظلمنا أنفسنا» أي ضررناها بالمعصية والتعريض للإخراج من الجنة «وإن لم تغفر لنا» ذلك «وترحمنا لنكونن من الخاسرين» وهو دليل على أن الصغائر يعاقب عليها إن لم تغفر وقال المعتزلة لا يجوز المعاقبة عليها مع اجتناب الكبائر ولذلك حملوا قولهما ذلك على عادات المقربين في استعظام الصغير من السيئات واستصغار العظيم من الحسنات «قال» استئناف كما مر مرارا «اهبطوا» خطاب لآدم وحواء وذريتهما أو لهما ولإبليس كررا الأمر له تبعا لهما ليعلم أنهم قرناء أبدا أو أخبر عما قال لهم مفرقا كما في قوله تعالى يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ولم يذكر ههنا قبول توبتهما ثقة بما ذكر في سائر المواضع «بعضكم لبعض عدو» جملة حالية من فاعل اهبطوا أي متعادين «ولكم في الأرض مستقر» اي استقرار أو موضع استقرار «ومتاع» اي تمتع وانتفاع «إلى حين» هو حين انقضاء آجالكم «قال» أعيد الاستئناف إما للإيذان بعدم اتصال ما بعده بما قبله كما في قوله تعالى قال فما خطبكم أيها المرسلون إثر قوله تعالى قال ومن
(٢٢١)