فإنه غير فصيح وتخصيص الحالتين بالعذاب لما أن نزول المكروه عند الغفلة والدعة أفظع وحكايته للسامعين أزجر وأردع عن الاغترار بأسباب الأمن والراحة ووصف الكل بوصفي البيات والقيلولة مع أن بعض المهلكين بمعزل منهما لا سيما القيلولة للإيذان بكمال غفلتهم وأمنهم «فما كان دعواهم» أي دعاؤهم واستغاثتهم ربهم أو ما كانوا يدعونه من دينهم وينتحلونه من مذهبهم «إذ جاءهم بأسنا» عذابنا وعاينوا أمارته «إلا أن قالوا» جميعا «إنا كنا ظالمين» أي إلا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه وشهادتهم ببطلانه تحسرا عليه وندامة وطمعا في الخلاص وهيهات ولات حين نجاة «فلنسألن الذين أرسل إليهم» بيان لعذابهم الأخروي إثر بيان عذابهم الدنيوي خلا أنه قد تعرض لبيان مبادي أحوال المكلفين جميعا لكونه أدخل في التهويل والفاء لترتيب الأحوال الأخروية على الدنيوية ذكرا حسب ترتبها عليها وجودا أي لنسألن الأمم قاطبة قائلين ماذا أجبتم المرسلين «ولنسألن المرسلين» عما أجيبوا قال تعالى يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم والمراد بالسؤال توبيخ الكفرة وتقريعهم والذي نفى بقوله تعالى ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون سؤال الاستعلام أو الأول في موقف الحساب والثاني في موقف العقاب «فلنقصن عليهم» أي على الرسل حين يقولن لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب أو عليهم وعلى المرسل إليهم جميعا ما كانوا عليه «بعلم» أي عالمين بظواهرهم وبواطنهم أو بمعلومنا منهم «وما كنا غائبين» عنهم في حال من الأحوال فيخفى علينا شيء من أعمالهم وأحوالهم والجملة تذييل مقرر لما قبلها «والوزن» أي وزن الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها وجيدها ورديئها ورفعه على الابتداء وقوله تعالى «يومئذ» خبره وقوله تعالى «الحق» صفته أي والوزن الحق ثابت يوم إذ يكون السؤال والقص وقيل خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل ما ذلك الوزن فقيل الحق أي العدل السوي وقرئ القسط واختلف في كيفية الوزن والجمهور على أن صحائف الأعمال هي التي توزن بميزان له لسان وكفتان ينظر إليه الخلائق إظهار للمعادلة وقطعا للمعذرة كما يسألهم عن أعمالهم فتعترف بها ألسنتهم وجوارحهم ويشهد عليهم الأنبياء والملائكة والأشهاد وكما يثبت في صحائفهم فيقرءونها في موقف الحساب ويؤيده ما روي أن الرجل يؤتى به الميزان فينشر له تسعة وتسعون سجلا مدج البصر فيخرج له بطاقة فيها كلمتا الشهادة فتوضع السجلات في في كفة والبطاقة في كفة فتطيش السجلات وتثقل البطاقة وقيل يوزن الأشخاص لما روي عنه عليه الصلاة والسلام إنه ليأتي العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة وقيل
(٢١٢)