لبيان أحوال أهل الكتابين إثر بيان حال المشركين أي بددوه وبعضوه فتمسك بكل بعض منه فرقة منهم وقرئ فارقوا أي باينوا فإن ترك بعضه وإن كان بأخذ بعض منه ترك للكل ومفارقة له «وكانوا شيعا» أي فرقا تشيع كل فرقة إماما لها قال صلى الله عليه وسلم افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلهم في الهاوية إلا واحدة وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة كلهم في الهاوية إلا واحدة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في الهاوية إلا واحدة واستثناء الواحدة من فرق كل من أهل الكتابين إنما هو بالنظر إلى العصر الماضي قبل النسخ وأما بعده فالكل في الهاوية وإن اختلفت أسباب دخولهم فمعنى قوله تعالى «لست منهم في شيء» لست من البحث عن تفرقهم والتعرض لمن يعاصرك منهم بالمناقشة والمؤاخذة وقيل من قتالهم في شيء سوى تبليغ الرسالة وإظهار شعائر الدين الحق الذي أمرت بالدعوة إليه فيكون منسوخا بآية السيف وقوله تعالى «إنما أمرهم إلى الله» تعليل للنفي المذكور أي هو يتولى وحده أمر أولاهم وأخراهم ويدبره كيف يشاء حسبما تقتضيه الحكمة يؤاخذهم في الدنيا متى شاء ويأمر بقتالهم إذا أراد وقيل المفرقون أهل البدع والأهواء الزائغة من هذه الأمة ويرده أنه صلى الله عليه وسلم مأمور بمؤاخذتهم والاعتذار بأن معنى لست منهم في شيء حينئذ أنت برئ منهم ومن مذهبهم وهم براء منك يأباه التعليل المذكور «ثم ينبئهم» أي يوم القيامة «بما كانوا يفعلون» عبر عن إظهاره بالتنبئة لما بينهما من الملابسة في انهما سببان للعلم تنبيها على انهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه غافلين عن سوء عاقبته أي يظهر لهم على رؤوس الأشهاد ويعلمهم أي شيء شنيع كانوا يفعلونه في الدنيا على الاستمرار ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء وقوله تعالى «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» استئناف مبين لمقادير أجزية العاملين وقد صدر ببيان أجزية المحسنين المدلول عليهم بذكر أضدادهم ال عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم يريد من عمل من المصدقين حسنة كتبت له عشر حسنات أي من جاء يوم القيامة بالأعمال الحسنة من المؤمنين إذ لا حسنة بغير غيمان فله عشر حسنات أمثالها تفضلا من الله عز وجل وقرئ عشر بالتنوين وأمثالها بالرفع على الوصف وهذا أقل ما وعد من الأضعاف وقد جاء الوعد بسبعين وبسبعمائة وبغير حساب ولذلك قيل المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر في العدد الخاص «ومن جاء بالسيئة» أي بالأعمال السيئة كائنا من كان من العاملين «فلا يجزى إلا مثلها» بحكم الوعد واحدة بواحدة «وهم لا يظلمون» بنقص الثواب وزيادة العقاب «قل إنني هداني ربي» أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يبين لهم ما هو عليه من الدين الحق الذين يدعون أنهم عليه وقد فارقوه بالكلية وتصدير الجملة بحرف التحقيق لإظهار كمال الاعتناء بمضمونها والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم لمزيد تشريفة أي قل لأولئك المفرقين أرشدني ربي بالوحي وبما نصب في الآفاق والأنفس من الآيات التكوينية «إلى صراط مستقيم» موصل إلى الحق
(٢٠٦)