عنها لقوة الدواعي إليها وإما لأن قربانها داع إلى مباشرتها وتوسيط النهي عنها بين النهي عن قتل الأولاد والنهي عن القتل مطلقا كما وقع في سورة بني إسرائيل باعتبار أنها مع كونها في نفسها جناية عظيمة في حكم قتل الأولاد فإن أولاد الزنا في حكم الأموات وقد قال صلى الله عليه وسلم في حق العزل إن ذاك وأد خفي ومن ههنا تبين أن حمل الفواحش على الكبائر مطلقا وتفسير ما ظهر منها وما بطن بما فسر به ظاهر الإثم وباطنه فيما سلف من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله» أي حرم قتلها بأن عصمها بالإسلام أو بالعهد فيخرج منها الحربي وقوله تعالى «إلا بالحق» استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا تقتلوها في حال من الأحوال إلا حال ملابستكم بالحق الذي هو أمر الشرع بقتلها وذلك بالكفر بعد الإيمان والزنا بعد الإحصان وقتل النفس المعصومة أو من أعم الأسباب أي لا تقتلوها بسب من السباب إلا بسبب الحق وهو ما ذكر أو من أعم المصادر أي لا تقتلوها قتلا ما إلا قتلا كائنا بالحق وهو القتل بأحد الأمور المذكورة «ذلكم» إشارة إلى ما ذكر من التكاليف الخمسة وما في ذلك من معنى البعد للإيذان بعلو طبقاتها من بين التكاليف الشرعية وهو مبتدأ وقوله تعالى «وصاكم به» أي أمركم به ربكم أمرا مؤكدا خبره والجملة استئناف جئ به تجديدا للعهد وتأكيدا لإيجاب المحافظة على ما كلفوه ولما كانت الأمور المنهي عنها مما تقضي بديهة العقول بقبحها فصلت الآية الكريمة بقوله تعالى «لعلكم تعقلون» أي تستعملون عقولكم التي تعقل نفوسكم وتحبسها عن مباشرة القبائح المذكورة «ولا تقربوا مال اليتيم» توجيه النهي إلى قربانه لما مر من المبالغة في النهي عن أكله ولإخراج القربان النافع عن حكم النهي بطريق الاستثناء أي لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه «إلا بالتي هي أحسن» إلا بالخصلة التي هي أحسن ما يكون من الحفظ والتئمير ونحو ذلك والخطاب للأولياء والأوصياء لقوله تعالى «حتى يبلغ أشده» فإنه غاية لما يفهم من الاستثناء لا للنهي كأنه قيل احفظوه حتى يصير بالغا رشيدا فحينئذ سلموه إليه كما في قوله تعالى فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم والأشد جمع شدة كنعمة وأنعم أو شد ككلب وأكلب أو شد كصر وآصر وقيل هو مفرد كآنك «وأوفوا الكيل والميزان بالقسط» أي بالعدل والتسوية «لا نكلف نفسا إلا وسعها» إلا ما يسعها ولا يعسر عليها وهو اعتراض جئ به عقيب الأمر بالعدل للإيذان بأن مراعاة العدل كما هو عسير كأنه قيل عليكم بما في وسعكم وما وراءه معفو عنكم «وإذا قلتم» قولا في حكومة أو شهادة أو نحوهما «فاعدلوا» فيه «ولو كان» أي المقول له أو عليه «ذا قربى» إذ ذا قرابة منكم ولا تميلوا نحوهم أصلا وقد مر تحقيق معنى لو في مثل هذا الموضع مرارا «وبعهد الله أوفوا» أي ما عهد إليكم من الأمور المعدودة أو أي عهد كان فيدخل فيه ما ذكر
(١٩٩)