جل حقه أن يكون له دخل في ذلك الإنباء ولو في الجملة ولا ريب في أن كفرهم بمعزل منه وادعاء أن له دخلا فيه لدلالته على كمال الجود كأنه قيل الحمد لله الذي أنعم بمثل هذه النعم العظام على من لا يحمده تعسف لا يساعده النظام وتعكيس يأباه المقام كيف لا ومساق النظم الكريم كما تفصح عنه الآيات الآتية تشنيع الكفرة وتوبيخهم ببيان غاية إساءتهم مع نهاية إحسانه تعالى إليهم لا بيان نهاية إحسانه تعالى إليهم مع غاية اساءتهم في حقه تعالى كما يقتضيه الادعاء المذكور وبهذا اتضح أنه لا سبيل إلى جعل المعطوف من روادف المعطوف عليه لما أن حق الصلة أن تكون غير مقصودة الإفادة فما ظنك بما هو من روادفها وقد عرفت أن المعطوف هو الذي سيق له الكلام فتأمل وكن على الحق المبين «هو الذي خلقكم من طين» استئناف مسوق لبيان بطلان كفرهم بالبعث مع مشاهدتهم لما يوجب الإيمان به إثر بيان بطلان إشراكهم به تعالى مع معاينتهم لموجبات توحيده وتخصيص خلقهم بالذكر من بين سائر دلائل صحة البعث مع أن ما كر من خلق السماوات والأرض من أوضحها وأظهرها كما ورد في قوله تعالى أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم لما أن محل النزاع بعثهم فدلالة بدء خلقهم على ذلك أظهر وهم بشؤون أنفسهم أعرف والتعامي عن الحجة النيرة أقبح والالتفات لمزيد التشنيع والتوبيخ أي ابتدأ خلقكم منه فإنه المادة الأولى للكل لما أنه منشأ آدم الذي هو أبو البشر وإنما نسب هذا الخلق إلى المخاطبين لا إلى آدم عليه السلام وهو المخلوق منه حقيقة بأن يقال هو الذي خلق أباكم الخ مع كفاية علمهم بخلقه عليه السلام منه في إيجاب الإيمان بالبعث وبطلان الامتراء لتوضيح منهاج القياس وللمبالغة في إزاحة الاشتباه والالتباس مع ما فيه من تحقيق الحق والتنبيه على حكمة خفية هي أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشائه عليه السلام منه حيث لم تكن فطرته البديعة مقصورة على لا نفسه بل كانت أنموذجا منطويا على فطرة سائر آحاد الجنس انطواء إجماليا مستتبعا لجريان آثارها على الكل فكأن خلقه عليه السلام من الطين خلقا لكل أحد من فروعه منه ولما كان خلقه على هذا النمط الساري إلى جميع أفراد ذريته أبدع من أن يكون ذلك مقصورا على نفسه كما هو المفهوم من نسبة الخق المذكور إليه وأدل على عظم قدرة الخلاق العليم وكمال علمه وحكمته وكان ابتداء حال المخاطبين أولى بأن يكون معيار لانتهائها فعل ما فعل ولله در شأن التنزيل وعلى هذا السر مدار قوله تعالى ولقد خلقناكم ثم صورناكم الخ وقوله تعالى وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا كما سيأتي وقيل المعنى خلق أباكم منه على حذف المضاف وقيل معنى خلقهم منه خلقهم من النطفة الحاصلة من الأغذية المتكونة من الأرض وأيا ما كان ففيه من وضوح الدلالة على كمال قدرته تعالى على البعث ما لا يخفى فإن من قدر على إحياء ما لم يشم رائحة الحياة قط كان على إحياء ما قارنها مدة أظهر قدرة «ثم قضى» أي كتب لموت كل واحد منكم أجلا خاصا له أي أحدا معينا من الزمان يفنى عند حلوله لا محالة وكلمة ثم للإيذان بتفاوت ما بين خلقهم وبين تقدير آجالهم حسبما تقتضيه الحكم البالغة «وأجل مسمى» أي حد معين لبعثكم جميعا وهو مبتدأ لتخصصه بالصفة كما في قوله تعالى ولعبد مؤمن ولوقوعه
(١٠٦)