بأنه بين بنفسه مستغن في ثبوت حقيته وكونه من عند الله تعالى بإعجازه غير محتاج إلى غيره مبين لغيره من الأمور المذكورة وإشعارا بهدايته للخلق وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وقد سلك به مسلك العطف المبني على تغاير الطرفين تنزيلا للمغايرة العنوانية منزلة المغايرة الذاتية وعبر عن ملابسته للمخاطبين تارة بالمجيء المسند إليه المنبىء عن كمال قوته في البرهانية كأنه يجيء بنفسه فيثبت أحكامه من غير أن يجيء به أحد على شبه الكفرة بالإبطال وأخرى بالإنزال الموقع عليه الملائم لحيثية كونه نورا توقيرا له باعتبار كل واحد من عنوانيه حظه اللائق به وإسناد إنزاله إليه تعالى بطريق الالتفات لكمال تشريفه هذا على تقدير كون البرهان عبارة عن القرآن العظيم وأما على تقدير كونه عبارة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن المعجزات الظاهرة على يده أو عن الدين الحق فالأمر هين وقوله تعالى إليكم متعلق بأنزلنا فإن إنزاله بالذات وإن كان إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكنه منزل إليهم أيضا بواسطته عليه الصلاة والسلام وإنما اعتبر حاله لإظهار كمال اللطف بهم والتصريح بوصوله إليهم مبالغا في الأعذار وتقديمه على المفعول الصريح مع أن حقه التأخر عنه لما مر غير مرة من الاهتمام بما قدم والتشويق إلى ما أخر وللمحافظة على فواصل الآي الكريمة «فأما الذين آمنوا بالله» حسبما يوجبه البرهان الذي أتاهم «واعتصموا به» أي عصموا به أنفسهم مما يرديها من زيغ الشيطان وغيره «فسيدخلهم في رحمة منه وفضل» قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هي الجنة وما يتفضل عليهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وعبر عن إفاضة الفضل بالإدخال على طريقة قوله علفتها تبنا وماء باردا وتنوين رحمة وفضل تفخيمي ومنه متعلق بمحذوف وقع صفة مشرفة لرحمة «ويهديهم إليه» أي إلى الله عز وجل وقيل إلى الموعود وقيل إلى عبادته «صراطا مستقيما» هو الإسلام والطاعة في الدنيا وطريق الجنة في الآخرة وتقديم ذكر الوعد بإدخال الجنة على الوعد بالهداية إليها على خلاف الترتيب في الوجود بين الموعودين للمسارعة إلى التبشير بما هو المقصد الأصلي قبل انتصاب صراطا على أنه مفعول لفعل محذوف ينبئ عنه يهديهم أي يعرفهم صراطا مستقيما «يستفتونك» أي في الكلالة استغنى عن ذكره بوروده في قوله تعالى «قل الله يفتيكم في الكلالة» وقد مر تفسيرها في مطلع السورة الكريمة والمستفتي جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه يروى
(٢٦٣)