تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ٢٦١
عن عبادته تعالى كما أشير إليه بخلاف عبادته تعالى فإنها حالة متجددة غير مستلزمة للدوام يكفي في اتصاف موصوفها بها تحققها مرة فعدم الاستنكاف عنها لا يستلزم عن دوامها «ولا الملائكة المقربون» عطف على المسيح أي ولا يستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا عبيدا لله تعالى وقيل إن أريد بالملائكة كل واحد منهم لم يحتج إلى التقدير واحتج بالآية من زعم فضل الملائكة على الأنبياء عليهم السلام وقال مسافة لرد النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية وذلك يقتضي أن يكون المعطوف أعلى درجة من المعطوف عليه حتى يكون عدم استنكافهم مستلزما لعدم استنكافه عليه السلام وأجيب بأن مناط كفر النصارى ورفعهم له عليه السلام عن رتبة العبودية لما كان اختصاصه عليه السلام وامتيازه عن سائر أفراد البشر بالولادة من غير أب وبالعلم من المغيبات وبالرفع إلى السماء عطف على عدم استنكافه عن عبوديته تعالى عدم استنكاف من هو أعلى درجة منه فيما ذكر فإن الملائكة مخلوقون من غير أب ولا أم وعالمون بما لا يعلمه البشر من المغيبات ومقارهم السماوات العلا ولا نزاع لأحد في علو درجتهم من هذه الحيثية وإنما النزاع في علوها من حيث كثرة الثواب على الطاعات وبأن الآية ليست للرد على النصارى فقط بل على عبدة الملائكة أيضا فلا اتجاه لما قالوا حينئذ وإن سلم اختصاصها بالرد على النصارى فلعله أريد بالعطف المبالغة باعتبار التكثير والتفصيل لا باعتبار التكبير والتفضيل كما في قولك أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرءوس ولئن سلم إرادة التفضيل فغاية الأمر الدلالة على أفضلية المقربين منهم وهم الكروبيون الذين حول العرش أو من هو أعلى منهم رتبة من الملائكة عليهم السلام على المسيح من الأنبياء عليهم السلام وليس يلزم من ذلك فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقا وهل التشاجر إلا فيه «ومن يستنكف عن عبادته» أي عن طاعته فيشمل جميع الكفرة لعدم طاعتهم الثبوت للكفرة فإن عدم طاعتهم له تعالى مما لا سبيل لهم إن إنكار اتصافهم به إن قيل لم عبر عن عدم طاعتهم له تعالى بالاستنكاف عنها مع أن ذلك منهم كان بطريق إنكار كون الأمر من جهته تعالى لا بطريق الاستنكاف قلنا لأنهم كانوا يستنكفون عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل هو الاستنكاف عن طاعة الله تعالى إذ لا أمر له عليه الصلاة والسلام سوى أمره تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله «ويستكبر» الاستكبار الأنفة عما لا ينبغي أن يؤنف عنه وأصله طلب الكبر لنفسه بغير استحقاق له لا بمعنى طلب تحصيله مع اعتقاد عدم حصوله فيه بل بمعنى عد نفسه كبيرا واعتقاده كذلك وإنما عبر عنه بما يدل على الطلب للإيذان بأن مآله محض الطلب بدون حصول المطلوب وقد عبر عن مثل ذلك بنفس الطلب في قوله تعالى يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا فإنهم ما كانوا يطلبون ثبوت العوج لسبيل الله مع اعتقادهم لاستقامتها بل كانوا يعدونها ويعتقدونها معوجة ويحكمون بذلك ولكن عبر عن ذلك بالطلب لما ذكر من الإشعار بأن ليس هناك شيء سوى الطلب والاستكبار دون الاستنكاف المنبئ عن توهم لحقوق العار والنقص من المستنكف عنه «فسيحشرهم إليه جميعا» أي المستنكفين ومقابليهم المدلول عليه بذكر عدم استنكاف المسيح والملائكة عليهم السلام وقد ترك ذكر أحد الفريقين في المفصل تعويلا على إنباء التفصيل عنه وثقة
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254