تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ٢٥٧
في بعض الشرائع والأحكام إنما لتفاوت طبقات الأمم في الأحوال التي عليها يدور فلك التكليف فكما أنه سبحانه وتعالى برأهم على أنحاء شتى وأطوار متباينة حسبما تقتضيه الحكمة التكوينية كذلك تعبدهم بما يليق بشأنهم وتقتضيه أحوالهم المتخالفة واستعداداتهم المتغايرة من الشرائع والأحكام حسبما تستدعيه الحكمة التشريعية وراعى في إرسال الرسل وإنزال الكتب وغير ذلك من الأمور المتعلقة بمعاشهم ومعادهم ما فيه مصلحتهم فسؤال تنزيل الكتاب جملة اقتراح فاسد إذ حينئذ تتعاقم التكاليف فيثقل على المكلف قبولها والخروج عن عهدتها وأما التنزيل المنجم الواقع حسب الأمور الداعية إليه فهو أيسر قبولا وأسهل امتثالا «لكن الله يشهد» بتخفيف النون ورفع الجلالة وقرئ بتشديد النون ونصب الجلالة وهو استدراك عما يفهم مما قبله كأنهم لما تعنتوا عليه بما سبق من السؤال واحتج عليهم بقوله تعالى إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلخ قيل أنهم لا يشهدون بذلك لكن الله يشهد «بما أنزل إليك» على البناء للفاعل وقرئ على البناء للمفعول والباء صلة للشهادة أي يشهد بحقية ما أنزل إليك من القرآن المعجز الناطق بنبوتك وقيل لما نزل قوله تعالى إنا أوحينا إليك قالوا ما نشهد لك بهذا فنزل لكن الله يشهد «أنزله بعلمه» أي ملتبسا بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره وهو تأليفه على نمط بديع يعجز عنه كل بليغ أو بعلمه بحال من أنزله عليه واستعداده لاقتباس الأنوار القدسية أو بعلمه الذي يحتاج إليه الناس في معاشهم ومعادهم فالجار والمجرور على الأولين حال من الفاعل وعلى الثالث من المفعول والجملة في موقع التفسير لما قبلها وقرئ نزله وقوله تعالى «والملائكة يشهدون» أي بذلك مبتدأ وخبر والجملة عطف على ما قبلها وقيل حال من مفعول أنزله أي أنزله والملائكة يشهدون بصدقه وحقيته «وكفى بالله شهيدا» على صحة نبوتك حيث نصب لها معجزات باهرة وحججا ظاهرة مغنية عن الاستشهاد بغيرها «إن الذين كفروا» أي بما أنزل الله تعالى وشهد به أو بكل ما يجب الإيمان به وهو داخل فيه دخولا أوليا والمراد بهم اليهود حيث كفروا به «وصدوا عن سبيل الله» وهو دين الإسلام من أراد سلوكه بقولهم ما نعرف صفة محمد في كتابنا وقرئ صدوا مبنيا للمفعول «قد ضلوا» بما فعلوا من الكفر والصد عن طريق الحق «ضلالا بعيدا» لأنهم جمعوا بين الضلال والإضلال ولأن المضل يكون أعرق في الضلال وأبعد من الإقلاع عنه «إن الذين كفروا» أي بما ذكر آنفا «وظلموا» أي محمدا صلى الله عليه وسلم بإنكار نبوته وكتمان نعوته الجليلة ووضع غيرها مكانها أو الناس بصدهم عما فيه صلاحهم في المعاش والمعاد «لم يكن الله ليغفر لهم» لاستحالة تعلق المغفرة بالكافر «ولا ليهديهم طريقا»
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254