خلقا وملكا وتصرفا لا يخرج من ملكوته وقهره شيء منها فمن هذا شأنه فهو قادر على تعذيبكم بكفركم لا محالة أو فمن كان كذلك فهو غني عنكم وعن غيركم لا يتضرر بكفركم ولا ينتفع بإيمانكم وقيل فمن كان كذلك فله عبيد يعبدونه وينقادون لأمره «وكان الله عليما» مبالغا في العلم فهو أعلم بأحوال الكل فيدخل في ذلك علمه تعالى بكفرهم دخولا أوليا «حكيما» مراعيا للحكمة في جميع أفعاله التي من جملتها تعذيبه تعالى إياهم بكفرهم «يا أهل الكتاب» تجريد للخطاب وتخصيص له بالنصارى زجرا لهم عما هم عليه من الكفر والضلال «لا تغلوا في دينكم» بالإفراط في رفع شأن عيسى عليه السلام وادعاء ألوهيته وأما غلو اليهود في حط رتبته عليه السلام ورميهم له بأنه ولد لغير رشدة فقد نعى عليهم ذلك فيما سبق «ولا تقولوا على الله إلا الحق» أي لا تصفوه بما يستحيل اتصافه به من الحلول والاتحاد واتخاذ الصاحبة والولد بل نزهوه عن جميع ذلك «إنما المسيح» قد مر تفسير في سورة آل عمران وقرئ بكسر الميم وتشديد السين كالسكيت على صيغة المبالغة وهو مبتدأ وقوله تعالى «عيسى» بدل منه أو عطف بيان له وقوله تعالى «رسول الله» خبر للمبتدأ والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل النهي عن القول الباطل المستلزم للأمر بضده أعني الحق أي أنه مقصور على رتبة الرسالة لا يتخطاها «وكلمته» عطف على رسول الله أي مكون بكلمته وأمره الذي هو كن من غير واسطة أب ولا نطفة «ألقاها إلى مريم» أي أوصلها إليها وحصلها فيها بنفخ جبريل عليه السلام وقيل أعلمها إياها وأخبرها بها بطريق البشارة وذلك قوله تعالى إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيس بن مريم وقيل الجملة حال من ضميره عليه السلام المستكن فيما دل عليه وكلمته من معنى المشتق الذي هو العامل فيها وقد مقدرة معها «وروح منه» قيل هو الذي نفخ جبريل عليه السلام في درع مريم فحملت بإذن الله تعالى سمى النفخ روحا لأنه ريح تخرج من الروح ومن لابتداء الغاية مجازا لا تبعيضية كما زعمت النصارى يحكى أن طبيبا حاذقا نصرانيا للرشيد ناظر علي بن حسين الواقدي المروزي ذات يوم فقال له إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى وتلا هذه الآية فقرأ الواقدي وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه فقال إذن يلزم أن يكون جميع تلك الأشياء جزءا من الله تعالى علوا كبيرا فانقطع النصراني فأسلم وفرح الرشيد فرحا شديدا ووصل الواقدي بصلة فاخرة وهي متعلقة بمحذوف وقع صفة لروح أي كائنة من جهته تعالى جعلت منه تعالى وإن كانت بنفخ جبريل عليه السلام لكون النفخ بأمره سبحانه وقيل سمي روحا لإحيائه الأموات وقيل لإحيائه القلوب كما سمي به القرآن
(٢٥٩)