حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم ويعلب الصبيان بالحيات ويلبث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه وقيل الضمير الأول يرجع إلى الله تعالى وقيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم «ويوم القيامة يكون» أي عيسى عليه السلام «عليهم» على أهل الكتاب «شهيدا» فيشهد على اليهود بالتكذيب وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا «فبظلم من الذين هادوا» لعل ذكرهم بهذا العنوان للإيذان بكمال عظم ظلمهم بتذكير وقوعه بعد أن هادوا أي تابوا من عبادة العجل مثل تلك التوبة الهائلة المشروطة ببخع النفوس إثر بيان عظمه في حد ذاته بالتنوين التفخيمي أي بسبب ظلم عظيم خارج عن حدود الأشباه والإشكال الصادر عنهم «حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم» ولمن قبلهم لا بشيء غيره كما زعموا فإنهم كانوا كلما ارتكبوا معصية من المعاصي التي اقترفوها يحرم عليهم نوع من الطيبات التي كانت محللة لهم ولمن تقدمهم من أسلافهم عقوبة لهم وكانوا مع ذلك يفترون على الله سبحانه ويقولون لسنا بأول من حرمت عليه وإنما كان على نوح وإبراهيم من بعدهما حتى انتهى الامر إلينا فكذبهم الله عز وجل في مواقع كثيرة وبكتهم بقوله تعالى كلك الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين أي في ادعاكم أنه تحريم قديم روي أنه عليه السلام لما كلفهم إخراج التوراة لم يجسر أحد على إخراجها لما أن كون التحريم بظلمهم كان مسطورا فيها فبهتوا وانقلبوا صاغرين «وبصدهم عن سبيل الله كثيرا» أي ناسا كثيرا أو صدا كثيرا «وأخذهم الربا وقد نهوا عنه» فإن الربا كان محرما عليهم كما هو محرم علينا وفيه دليل على أن النهي يدل على حرمة المنهي عنه «وأكلهم أموال الناس بالباطل» بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة «وأعتدنا للكافرين منهم» أي للمصرين على الكفر لا لمن تاب وآمن من بينهم «عذابا أليما» سيذوقونه في الآخرة كما ذاقوا في الدنيا عقوبة التحريم «لكن الراسخون في العلم منهم» استدراك من قوله تعالى واعتدنا الخ وبيان لكون بعضهم على خلاف حالهم عاجلا أو آجلا أي لكن الثابتون في العلم منهم المتقنون المستبصرون فيه غير التابعين للظن كأولئك الجهلة والمراد بهم عبد الله بن سلام وأصحابه «والمؤمنون» أي منهم وصفوا بالإيمان بعد ما وصفوا بما يوجبه من الرسوخ في العلم بطريق العطف المنبئ عن المغايرة بين المعطوفين تنزيلا للاختلاف العنواني منزلة الاختلاف الذاتي وقوله تعالى «يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك» حال من المؤمنون مبينة لكيفية إيمانهم وقيل اعتراض مؤكد لما قبله وقوله عز وجل «والمقيمين الصلاة» قيل نصب بإضمار
(٢٥٣)