في النسخ بليت ولعل وقد ذهب سيبويه والأخفش إلى منع دخول الفاء عند النسخ مطلقا فالخبر عندهما قوله تعالى «أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة» كما في قولك الشيطان فاحذر عدو مبين وعلى الأول هو استئناف واسم الإشارة مبتدأ وما فيه من معنى البعد للدلالة على ترامى أمرهم في الضلال وبعد منزلتهم في فظاعة الحال والموصول بما في حيز صلته خبره أي أولئك المتصفون بتلك الصفات القبيحة أو المبتلون بأسوأ الحال الذين بطلت أعمالهم التي عملوها من البر والحسنات ولم يبق لها أثر في الدارين بل بقي لهم اللعنة والخزي في الدنيا وعذاب أليم في الآخرة «وما لهم من ناصرين» ينصرونهم من بأس الله وعذابه في إحدى الدارين وصيغة الجميع لرعاية ما وقع في مقابلته لا لنفى تعدد الأنصار من كل واحد منهم كما في قوله تعالى «وما للظالمين من أنصار» «ألم تر» تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى منه الرؤية من حال أهل الكتاب وسوء صنيعهم وتقرير لما سبق من أن اختلافهم في الإسلام إنما كان بعد ما جاءهم العلم بحقيقة أي ألم تنظر «إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب» أي التوراة على أن اللام للعهد وحمله على جنس الكتب الإلهية تطويل للمسافة إذ تمام التقريب حينئذ بكون التوراة من جملتها لأن مدار التشنيع والتعجيب انما هو اعراضهم عن المحاكمة إلى ما دعوا اليه وهم لم يدعوا الا إلى التوراة والمراد بما أوتوه منها ما بين لهم فيها من العلوم والأحكام التي من جملتها ما علموه من نعوت النبي صلى الله عليه وسلم وحقية الاسلام والتعبير عنه بالنصيب للإشعار بكمال اختصاصه بهم وكونه حقا من حقوقهم التي يجب مراعاتها والعمل بموجبها وما فيه من التنكير للتفخيم وحمله على التحقير لا يساعده مقام المبالغة في تقبيح حالهم «يدعون إلى كتاب الله» الذي أوتوا نصيبا منه وهو التوراة والاظهار في مقام الاضمار لإيجاب الإجابة واضافته إلى الاسم الجليل لتشريفه وتأكيد وجوب المراجعة اليه والجملة استئناف مبين لمحل التعجيب مبني على سؤال نشأ من صدر الكلام كأنه قيل ماذا يصنعون حتى ينظر إليهم فقيل يدعون إلى كتاب الله تعالى وقيل حال من الموصول «ليحكم بينهم» وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مدارسهم فدعاهم إلى الايمان فقال له نعيم بن عمرو والحرث بن زيد على أي دين أنت قال عليه الصلاة والسلام على ملة إبراهيم قالا ان إبراهيم كان يهوديا فقال صلى الله عليه وسلم لهما ان بيننا وبينكم التوراة فهلموا إليها فأبيا وقيل نزلت في الرجم وقد اختلفوا فيه وقيل كتاب الله القرآن فإنهم قد علموا أنه كتاب الله ولم يشكوا فيه وقرئ ليحكم على بناء المجهول فيكون الاختلاف بينهم بأن أسلم بعضهم كعبد الله بن سلام وأضرابه وعاداهم الآخرون «ثم يتولى فريق منهم» استبعاد لتوليهم بعد علمهم بوجوب الرجوع اليه «وهم معرضون» اما حال من فريق لتخصصه بالصفة أي يتولون من المجلس وهم معرضون بقلوبهم أو اعتراض أي وهم قوم ديدنهم الاعراض عن الحق والاصرار على الباطل
(٢٠)