الخطب وهو تذييل لما قبله مبين لقوله تعالى ويحذركم الله نفسه بأن ذاته المقدسة المتميزة عن سائر الذوات المتصفة بما لا يتصف به شئ منها من العلم الذاتي المتعلق بجميع المعلومات متصفة بالقدرة الذاتية الشاملة لجميع المقدورات بحيث لا يخرج من ملكوته شئ قط «يوم تجد كل نفس» أي من النفوس المكلفة «ما عملت من خير محضرا» عندها بأمر الله تعالى وفيه من التهويل ما ليس في حاضرا «وما عملت من سوء» عطف على ما عملت والإحضار معتبر فيه أيضا إلا أنه خص بالذكر في الخير للإشعار بكون الخير مرادا بالذات وكون إحضار الشر من مقتضيات الحكمة التشريعية «تود» عامل في الظرف والمعنى تود وتتمنى يوم تجد صحائف أعمالها من الخير والشر أو أجزيتها محضرة «لو أن بينها وبينه» أي بين ذلك اليوم «أمدا بعيدا» لغاية هوله وفي إسناد الودادة إلى كل نفس سواء كان لها عمل سئ أو لا بل كانت متمحضة في الخير من الدلالة على كمال فظاعة ذلك اليوم وهول مطلعه مالا يخفى اللهم إنا نعوذ بك من ذلك ويجوز أن يكون انتصاب يوم على المفعولية بإضمار اذكروا وتود أما حال من كل نفس أو استئناف مبنى على السؤال أي اذكروا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير شر محضرا وادة أن بينها وبينه أمدا بعيدا أو كأن سائلا قال حين أمروا بذكر ذلك اليوم فماذا يكون إذ ذاك فقيل تود لو أن بينها الخ أو تجد مقصور على ما عملت من خير وتود خبر ما عملت من سوء ولا تكون ما شرطية لارتفاع تود وقرئ ودت فحينئذ يجوز كونها شرطية لكن الحمل على الخبر أوقع معنى لأنها حكاية حال ماضية وأوفق للقراءة المشهورة «ويحذركم الله نفسه» تكرير لما سبق وإعادة له لكن لا للتأكد فقط بل لإفادة ما يفيده قوله عز وجل «والله رؤوف بالعباد» من أن تحذيره تعالى من رأفته بهم ورحمته الواسعة أو أن رأفته بهم لا تمنع تحقيق ما حذرهموه من عقابه وأن تحذيره ليس مبنيا على تناسى صفة الرأفة بل هو متحقق مع تحققها أيضا كما في قوله تعالى «يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم» فالجملة على الأول اعتراض وعلى الثاني حال وتكرير الاسم الجليل لتربية المهابة «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني» المحبة ميل النفس إلى الشئ لكمال أدركته فيه بحيث يحملها على ما يقر بها إليه والعبد إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله عز وجل وأن كل ما يراه كما لا من نفسه أو من غيره فهو من الله وبالله وإلى الله لم يكن حبة إلا لله وفي الله وذلك مقتضى إرادة طاعته والرغبة فيما يقربه إليه فلذلك فسرت المحبة بإرادة الطاعة وجعلت مستلزمة لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في عبادته والحرص على مطاوعته «يحببكم الله» أي يرض عنكم «ويغفر لكم ذنوبكم» أي يكشف الحجب عن قلوبكم بالتجاوز عما فرط منكم فيقربكم من جناب عزة ويبوئكم في جوار قدسه عبر عنه بالمحبة بطريق الاستعارة أو المشاكلة «والله غفور رحيم» أي لمن يتحبب إليه بطاعته ويتقرب إليه
(٢٤)