فالذي يجب على المسلمين أن يأخذوا به في شأنهما إصلاح ذات البين وتسكين الدهماء بإراءة الحق والمواعظ الشافية ونفي الشبهة، إلا إذا صرنا فحينئذ تجب المقاتلة، وأما الضمان فلا يتجه وليس كذلك إذا بغت إحداهما، فإن الضمان متجه على الوجهين المذكورين.
التاسعة - ولو تغلبوا على بلد فأخذوا الصدقات وأقاموا الحدود، وحكموا فيهم بالأحكام، لم تثن عليهم الصدقات ولا الحدود، ولا ينقص من أحكامهم إلا ما كان خلافا للكتاب أو السنة أو الاجماع، كما تنقض أحكام أهل العدل والسنة، قاله مطرف وابن الماجشون. وقال ابن القاسم: لا تجوز بحال. وروى عن أصبغ أنه جائز. وروى عنه أيضا أنه لا يجوز كقول ابن القاسم. وبه قال أبو حنيفة، لأنه عمل بغير حق ممن لا تجوز توليته.
فلم يجز كما لو لم يكونوا بغاة. والعمدة لنا ما قدمناه من أن الصحابة رضي الله عنهم، لما انجلت الفتنة وارتفع الخلاف بالهدنة والصلح، لم يعرضوا لاحد منهم في حكم. قال ابن العربي:
الذي عندي أن ذلك لا يصلح، لان الفتنة لما انجلت كان الامام هو الباغي، ولم يكن هناك من يعترضه. والله أعلم.
العاشرة - لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم. هذا مع ما قد ورد من الاخبار من طرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض، فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصيانا لم يكن بالقتل فيه شهيدا. وكذلك لو كان ما خرج إليه خطأ في التأويل وتقصيرا في الواجب عليه، لان الشهادة لا تكون إلا بقتل في طاعة، فوجب حمل أمرهم على ما بيناه. ومما يدل على ذلك ما قد صح وانتشر من أخبار علي بأن قاتل الزبير في النار. وقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [بشر قاتل ابن صفية بالنار]. وإذا كان كذلك فقد ثبت أن طلحة والزبير