بالسعف والنعال ونحوه، فأنزل الله هذه الآية فيهم. وقال قتادة: نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مدارأة (1) في حق بينهما، فقال أحدهما: لآخذن حقي عنوة، لكثرة عشيرته. ودعاه الآخر إلى أن يحاكمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبي أن يتبعه، فلم يزل الامر بينهما حتى تواقعا وتناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال والسيوف، فنزلت هذه الآية. وقال الكلبي: نزلت في حرب سمير وحاطب (2)، وكان سمير قتل حاطبا، فاقتتل الأوس والخزرج حتى أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت. وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن يصلحوا بينهما. وقال السدي: كانت امرأة من الأنصار يقال لها: " أم زيد " تحت رجل من غير الأنصار، فتخاصمت مع زوجها، أرادت أن تزور قومها فحبسها زوجها وجعلها في علية لا يدخل عليها أحد من أهلها، وأن المرأة بعثت إلى قومها، فجاء قومها فأنزلوها لينطلقوا بها، فخرج الرجل فاستغاث أهله فخرج بنو عمه ليحولوا بين المرأة وأهلها، فتدافعوا وتجالدوا (3) بالنعال، فنزلت الآية.
والطائفة تتناول الرجل الواحد والجمع والاثنين، فهو مما حمل على المعنى دون اللفظ، لان الطائفتين في معنى القوم والناس. وفي قراءة عبد الله " حتى يفيئوا إلى أمر الله فإن فاءوا فخذوا بينهم بالقسط ". وقرأ ابن أبي عبلة " اقتتلتا " على لفظ الطائفتين. وقد مضى في آخر " براءة " القول فيه (4). وقال ابن عباس في قوله عز وجل " وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " (5) [الروم: 2] قال: الواحد فما فوقه، والطائفة من الشئ القطعة منه. " فأصلحوا بينهما " بالدعاء إلى كتاب الله لهما أو عليهما. " فإن بغت إحداهما على الأخرى " تعدت ولم تجب إلى حكم الله وكتابه. والبغي: التطاول والفساد.
" فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله " أي ترجع إلى كتابه. " فإن فاءت " رجعت " فأصلحوا بينهما بالعدل " أي احملوهما على الانصاف. " وأقسطوا " أيها الناس فلا تقتتلوا.
قيل: أقسطوا أي اعدلوا. " إن الله يحب المقسطين " أي العادلين المحقين.