ومنهم من قال جاء للنهي عنه، لأنه صلى الله عليه وسلم قال: [فمن وافق خطه فذاك] ولا سبيل إلى معرفة طريق النبي المتقدم فيه، فإذا لا سبيل إلى العمل به. قال:
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصا * ولا زاجرات الطير ما الله صانع (1) وحقيقته عند أربابه ترجع إلى صور الكواكب، فيدل ما يخرج منها على ما تدل عليه تلك الكواكب من سعد أو نحس يحل بهم، فصار ظنا مبنيا على ظن، وتعلقا بأمر غائب قد درست طريقه وفات تحقيقه، وقد نهت الشريعة عنه، وأخبرت أن ذلك مما اختص الله به، وقطعه عن الخلق، وإن كانت لهم قبل ذلك أسباب يتعلقون بها في درك الأشياء المغيبة، فإن الله قد رفع تلك الأسباب وطمس تيك الأبواب وأفرد نفسه بعلم الغيب، فلا يجوز مزاحمته في ذلك، ولا يحل لاحد دعواه. وطلبه عناء لو لم يكن فيه نهي، فإذ وقد ورد النهي فطلبه معصية أو كفر بحسب قصد الطالب.
قلت: ما اختاره هو قول الخطابي. قال الخطابي: قوله عليه السلام: [فمن وافق خطه فذاك] هذا يحتمل الزجر إذ كان ذلك علما لنبوته وقد انقطعت، فنهينا عن التعاطي لذلك. قال القاضي عياض: الأظهر من اللفظ خلاف هذا، وتصويب خط من يوافق خطه، لكن من أين تعلم الموافقة والشرع منع من التخرص وادعاء الغيب جملة - فإنما معناه أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته، لا أنه يريد إباحة ذلك لفاعله على ما تأوله بعضهم. وحكى مكي في تفسير قوله: [كان نبي من الأنبياء يخط] أنه كان يخط بأصبعه السبابة والوسطى في الرمل ثم يزجر. وقال ابن عباس في تفسير قوله [ومنا رجال يخطون]: هو الخط الذي يخطه الحازي (2) فيعطى حلوانا فيقول: اقعد حتى أخط لك، وبين يدي الحازي غلام معه ميل ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط الأستاذ خطوطا معجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو على مهل خطين خطين، فإن بقي خطان فهو علامة النجح، وإن بقي خط فهو علامة الخيبة. والعرب تسميه الأسحم وهو مشئوم عندهم.