الثانية - قوله تعالى: " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " يدل على معنيين:
أحدهما - أن الشفاعة بالحق غير نافعة إلا مع العلم، وأن التقيد لا يغني مع عدم العلم بصحة المقالة. والثاني - أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها أن يكون الشاهد عالما بها.
ونحوه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم [إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع].
وقد مضى في " البقرة " (1).
قوله تعالى: ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون (87) قوله تعالى: " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " أي لأقروا بأن الله خلقهم بعد أن لم يكونوا شيئا. " فأنى يؤفكون " أي كيف ينقلبون عن عبادته وينصرفون عنها حتى أشركوا به غيره رجاء شفاعتهم له. يقال: أفكه يأفكه أفكا، أي قلبه وصرفه عن الشئ.
ومنه قوله تعالى: " قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا " (2) [الأحقاف: 22]. وقيل: أي ولئن سألت الملائكة وعيسى " من خلقهم " لقالوا الله. " فأنى يؤفكون " أي فأنى يؤفك هؤلاء في ادعائهم إياهم آلهة.
قوله تعالى: وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون (88) في " قيله " ثلاث قراءات: النصب، والجر، والرفع. فأما الجر فهي قراءة عاصم وحمزة. وبقية السبعة بالنصب. وأما الرفع فهي قراءة الأعرج وقتادة وابن هرمز ومسلم بن جندب. فمن جر حمله على معنى: وعنده علم الساعة وعلم قيله. ومن نصب فعلى معنى: وعنده علم الساعة ويعلم قيله، وهذا اختيار الزجاج. وقال الفراء والأخفش: يجوز أن يكون " قيله " عطفا على قوله " أنا لا نسمع سرهم ونجواهم " (3) [الزخرف: 80]. قال ابن الأنباري: سألت أبا العباس محمد ابن يزيد المبرد بأي شئ تنصب القيل؟ فقال: أنصبه على " وعنده علم الساعة ويعلم قيله ".
فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على " ترجعون "، ولا على " يعلمون ". ويحسن الوقف على " يكتبون ".
(4) وأجاز الفراء والأخفش أن ينصب القيل على معنى: لا نسمع سرهم ونجواهم