قوله تعالى: " قالوا ابنوا له بنيانا " أي تشاوروا في أمره لما غلبهم بالحجة حسب ما تقدم في " الأنبياء " (1) بيانه ف " قالوا ابنوا له بنيانا " تملئونه حطبا فتضرمونه، ثم ألقوه فيه وهو الجحيم. قال ابن عباس: بنوا حائطا من حجارة طوله في السماء ثلاثون ذراعا، وملأوه نارا وطرحوه فيها. وقال ابن عمرو بن العاص: فلما صار في البنيان قال: حسبي الله ونعم الوكيل. والألف واللام في " الجحيم " تدل على الكناية، أي في جحيمه، أي في جحيم ذلك البنيان. وذكر الطبري: أن قائل ذلك اسمه الهيزن (2) رجل من أعراب فارس وهم الترك، وهو الذي جاء فيه الحديث: " بينما رجل يمشى في حلة له يتبختر فيها فخسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة " والله أعلم. " فأرادوا به كيدا " أي بإبراهيم. والكيد المكر، أي احتالوا لإهلاكه. " فجعلنا هم الأسفلين " المقهورين المغلوبين إذ نفذت حجته من حيث لم يمكنهم دفعها، ولم ينفذ فيه مكرهم ولا كيدهم.
قوله تعالى: وقال إني ذاهب إلى ربى سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فيه مسئلتان:
الأولى - هذه الآية أصل في الهجرة والعزلة. وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام، وذلك حين خلصه الله من النار " قال إن ذاهب إلى ربي " أي مهاجر من بلد قومي ومولدي إلى حيث أتمكن من عبادة ربي فإنه " سيهدين " فيما نويت إلى الصواب. قال مقاتل:
هو أول من هاجر من الخلق مع لوط وسارة، إلى الأرض المقدسة وهي أرض الشام.
وقيل: ذاهب بعملي وعبادتي، وقلبي ونيتي. فعلى هذا ذهابه بالعمل لا بالبدن. وقد مضى بيان هذا في [الكهف] (3) مستوفى. وعلى الأول بالمهاجرة إلى الشام وبيت القدس.