يسجرون " أي يطرحون فيها فيكونون وقودا لها، قال مجاهد. يقال: سجرت التنور أي أوقدته، وسجرته ملأته، ومنه " والبحر المسجور " [الطور: 6] أي المملوء. فالمعنى على هذا تملأ بهم النار وقال الشاعر يصف وعلا:
إذا شاء طالع مسجورة * ترى حولها النبع والسمسما أي عينا مملوءة. " ثم قيل لهم أينما كنتم تشركون من دون الله " وهذا تقريع وتوبيخ.
" قالوا ضلوا عنا " أي هلكوا وذهبوا عنا وتركونا في العذاب، من ضل الماء في اللبن أي خفي. وقيل: أي صاروا بحيث لا نجدهم. " بل لم نكن ندعو من قبل شيئا " أي شيئا لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع. وليس هذا إنكارا لعبادة الأصنام، بل هو اعتراف بأن عبادتهم الأصنام كانت باطلة، قال الله تعلى: " كذلك يضل الله الكافرين " أي كما فعل بهؤلاء من الإضلال يفعل بكل كافر.
قوله تعالى: " ذلكم " أي ذلكم العذاب " بما كنتم تفرحون " بالمعاصي يقال لهم ذلك توبيخا. أي إنما نالكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية وكثرة المال والأتباع والصحة. وقيل إن فرحهم بها عندهم أنهم قالوا للرسل: نحن نعلم أنا لا نبعث ولا نعذب. وكذا قال مجاهد في قوله جل وعز: " فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم " [غافر: 83]. " وبما كنتم تمرحون " قال مجاهد وغيره: أي تبطرون وتأشرون.
وقد مضى في " سبحان " (1) بيانه. وقال الضحاك: الفرح السرور، والمرح العدوان. وروى خالد عن ثور عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يبغض البذخين الفرحين ويحب كل قلب حزين ويبغض أهل بيت لحمين ويبغض كل حبر سمين " (2) فأما أهل بيت لحمين: فالذين يأكلون لحوم الناس بالغيبة. وأما الحبر السمين: فالمتحبر بعلمه ولا يخبر بعلمه الناس، يعني المستكثر من علمه ولا ينتفع به الناس. ذكره الماوردي. وقد قيل في