السادسة - وقد اختلفت العلماء في نقل الزكاة عن موضعها على ثلاثة أقوال لا تنقل، قاله سحنون وابن القاسم، وهو الصحيح لما ذكرناه. قال ابن القاسم أيضا: وإن نقل بعضها لضرورة رأيته صوابا. وروي عن سحنون أنه قال: ولو بلغ الامام أن ببعض البلاد حاجة شديدة جاز له نقل بعض الصدقة المستحقة لغيره إليه، فإن الحاجة إذا نزلت وجب تقديمها على من ليس بمحتاج (والمسلم أخو المسلم لا يسلمه (1) ولا يظلمه). والقول الثاني تنقل. وقاله مالك أيضا.
وحجة هذا القول ما روي أن معاذا قال لأهل اليمن: ايتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير في الصدقة فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة. أخرجه الدارقطني وغيره.
والخميس لفظ مشترك، وهو هنا الثوب طوله خمس أذرع. ويقال: سمي بذلك لان أول من عمله الخمس ملك من ملوك اليمن، ذكره ابن فارس في المجمل والجوهري أيضا. وفي هذا الحديث دليلان: أحدهما: ما ذكرناه من نقل الزكاة من اليمن إلى المدينة، فيتولى النبي صلى الله عليه وسلم قسمتها. ويعضد هذا قوله تعالى: " إنما الصدقات للفقراء " ولم يفصل بين فقير بلد وفقير آخر. والله أعلم. الثاني - أخذ القيمة في الزكاة. وقد اختلفت الرواية عن مالك في إخراج القيم في الزكاة (2)، فأجاز ذلك مرة ومنع منه أخرى، فوجه الجواز - وهو قول أبي (3) حنيفة - هذا الحديث. وثبت في صحيح البخاري من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم (من بلغت عنده [من الإبل (4)] صدقة الجذعة وليست عنده [جذعة] (4) وعنده حقة فإنه تؤخذ (5) منه وما استيسرنا من شاتين أو عشرين درهما). الحديث. وقال صلى الله عليه وسلم:
(اغنوهم عن سؤال هذا اليوم) يعني يوم الفطر. وإنما أراد أن يغنوا بما يسد حاجتهم، فأي شئ سد حاجتهم جاز. وقد قال تعالى: " خذ من أموالهم صدقة " [التوبة: 103] ولم يخص شيئا من شئ. ولا يدفع عند أبي حنيفة سكنى دار بدل الزكاة، مثل أن يجب عليه خمسة دراهم فأسكن فيها فقيرا شهرا فإنه لا يجوز. قال: لان السكنى ليس بمال.