المسكين. قالوا: الفقير هو الذي له بعض ما يكفيه ويقيمه، والمسكين الذي لا شئ له، واحتجوا بقول الراعي:
أما الفقير الذي كانت حلوبته * وفق العيال فلم يترك له سبد (1) وذهب إلى هذا قوم من أهل اللغة والحديث منهم أبو حنيفة والقاضي عبد الوهاب، والوفق من الموافقة بين الشيئين كالالتحام، يقال: حلوبته وفق عياله أي لها لبن قدر كفايتهم لا فضل فيه، عن الجوهري. وقال آخرون بالعكس، فجعلوا المسكين أحسن حالا من الفقير.
واحتجوا بقوله تعالى: " أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر " (2) [الكهف: 79]. فأخبر أن لهم سفينة من سفن البحر. وربما ساوت جملة من المال. وعضدوه بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تعوذ من الفقر. وروي عنه أنه قال: " اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا ". فلو كان المسكين أسوأ حالا من الفقير لتناقض الخبران، إذ يستحيل أن يتعوذ من الفقر ثم يسأل ما هو أسوأ حالا منه، وقد استجاب الله دعاءه وقبضه وله مما أفاء الله عليه، ولكن لم يكن معه تمام الكفاية، ولذلك رهن درعه. قالوا: وأما بيت الراعي فلا حجة فيه، لأنه إنما ذكر أن الفقير كانت له حلوبة في حال. قالوا: والفقير معناه في كلام العرب المفقور الذي نزعت فقره (3) من ظهره من شدة الفقر فلا حال أشد من هذه. وقد أخبر الله عنهم بقوله " لا يستطيعون ضربا في الأرض " (4) [البقرة: 273]. واستشهدوا بقول الشاعر:
لما رأى لبد النسور تطايرت * رفع القوادم كالفقير الأعزل (5) أي لم يطق الطيران فصار بمنزلة من انقطع صلبه ولصق بالأرض. ذهب إلى هذا الأصمعي وغيره، وحكاه الطحاوي عن الكوفيين. وهو أحد قولي الشافعي وأكثر أصحابه. وللشافعي