لما من عليه النبي صلى الله عليه وسلم انطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل. وأمر قيس ابن عاصم أن يغتسل بماء وسدر. فإن كان إسلامه قبيل احتلامه فغسله مستحب. ومتى أسلم بعد بلوغه لزمه أن ينوي بغسله الجنابة. هذا قول علمائنا، وهو تحصيل المذهب.
وقد أجاز ابن القاسم للكافر أن يغتسل قبل إظهاره للشهادة بلسانه إذا اعتقد الاسلام بقلبه وهو قول ضعيف في النظر مخالف للأثر. وذلك أن أحدا لا يكون بالنية مسلما دون القول.
هذا قول جماعة أهل السنة في الايمان: إنه قول باللسان وتصديق بالقلب، ويزكو بالعمل.
قال الله تعالى: " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح (1) يرفعه " [فاطر: 10].
الثانية - قوله تعالى: (فلا يقربوا المسجد الحرام) " فلا يقربوا " نهي، ولذلك حذفت منه النون. " المسجد الحرام " هذا اللفظ يطلق على جميع الحرم، وهو مذهب عطاء فإذا يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع. فإذا جاءنا رسول منهم خرج الامام إلى الحل ليسمع ما يقول. ولو دخل مشرك الحرم مستورا ومات نبش قبره وأخرجت عظامه. فليس لهم الاستيطان ولا الاجتياز. وأما جزيرة العرب، وهي مكة والمدينة واليمامة واليمن ومخاليفها (2)، فقال مالك: يخرج من هذه المواضع كل من كان على غير الاسلام، ولا يمنعون من التردد بها مسافرين. وكذلك قال الشافعي رحمه الله، غير أنه استثنى من ذلك اليمن. ويضرب لهم أجل ثلاثة أيام كما ضربه لهم عمر رضي الله عنه حين أجلاهم. ولا يدفنون فيها ويلجئون إلى الحل.
الثالثة - واختلف العلماء في دخول الكفار المساجد والمسجد الحرام على خمسة أقوال، فقال أهل المدينة: الآية عامة في سائر المشركين وسائر المساجد. وبذلك كتب عمر ابن عبد العزيز إلى عماله ونزع في كتابه بهذه الآية. ويؤيد ذلك قوله تعالى: " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه " (3) [النور: 36]. ودخول الكفار فيها مناقض لترفيعها. وفي صحيح مسلم وغيره: (إن هذه المساجد لا تصلح لشئ من البول والقذر). الحديث. والكافر لا يخلو عن