يحيى بن المتوكل صاحب بهية (1) قال: كنت جالسا عند القاسم بن عبيد الله ويحيى بن سعيد، فقال يحيى للقاسم: يا أبا محمد إنه قبيح على مثلك عظيم أن يسأل عن شئ من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا فرج، أو علم ولا مخرج؟ فقال له القاسم: وعم ذاك؟ قال: لأنك ابن إمامي هدى: ابن أبي بكر وعمر. قال يقول له القاسم: أقبح من ذاك عند من عقل عن الله أن أقول بغير علم أو آخذ عن غير ثقة. فسكت فما أجابه. وقال مالك بن أنس: سمعت ابن هرمز يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري حتى يكون أصلا في أيديهم، فإذا سئل أحدهم عما لا يدري قال: لا أدري. وذكر الهيثم بن جميل قال:
شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري.
قلت: ومثله كثير عن الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين. وإنما يحمل على ترك ذلك الرياسة وعدم الانصاف في العلم. قال ابن عبد البر: من بركة العلم وآدابه الانصاف فيه، ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهم. روى يونس بن عبد الاعلى قال سمعت ابن وهب يقول سمعت مالك بن أنس يقول: ما في زماننا شئ أقل من الانصاف.
قلت: هذا في زمن مالك فكيف في زماننا اليوم الذي عم فينا الفساد وكثر فيه الطغام!
وطلب فيه العلم للرياسة لا للدراية، بل للظهور في الدنيا وغلبة الاقران بالمراء والجدال الذي يقسي القلب ويورث الضغن، وذلك مما يحمل على عدم التقوى وترك الخوف من الله تعالى.
أين هذا مما روي عن عمر رضي الله عنه وقد قال: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية ولو كانت بنت ذي العصبة - يعني يزيد بن الحصين الحارثي - فمن زاد ألقيت زيادته في بيت المال، فقامت امرأة من صوب النساء طويلة فيها فطس (3) فقالت: ما ذلك لك!