تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٤٧
إقتضاء النظام العام الكوني والنظام الخاص الانساني الذي نسميه الفطرة وتابعة لذلك.
وهذا هو الذي يشير تعالى إليه بقوله: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " سورة الروم: 30.
فسنة الحياة التي تنتهي بسالكها إلى السعادة الانسانية طريقة متعينة يقتضيها النظام بالحق وتكشف عنها تجهيزات وجوده بالحق، وهذا الحق هو القوانين الثابتة غير المتغيرة التي تحكم في النظام الكوني الذي أحد أجزائه النظام الانساني وتدبره وتسوقه إلى غاياته وهو الذي قضي به الله سبحانه فكان حتما مقضيا.
فلو اتبع الحق أهواءهم فاقتضى لهم من الشرع ما تجازف به أهواؤهم لم يكن ذلك إلا بتغير أجزاء الكون عما هي عليه وتبدل العلل والأسباب غيرها وتغير الروابط المنتظمة إلى روابط جزافية مختلة متدافعة توافق مقتضياتها مجازفات أهوائهم، وفي ذلك فساد السماوات والأرض ومن فيهن في أنفسها والتدبير الجاري فيها لان كينونتها وتدبيرها مختلطان غير متمايزين، والخلق والامر متصلان غير منفصلين.
وهذا هو الذي يشير إليه قوله: " ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن.
وقوله: " بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون " لا ريب أن المراد بالذكر هو القرآن كما قال: " وهذا ذكر مبارك " الأنبياء: 50، وقال: " وإنه لذكر لك ولقومك "، الزخرف: 44 إلى غير ذلك من الآيات، ولعل التعبير عنه بالذكر بعد قوله: " أم يقولون به جنة " نوع مقابله لقولهم: " يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون " الحجر: 6.
وكيف كان فقد سمي ذكرا لأنه يذكرهم بالله أو يذكر لهم دين الله من الاعتقاد الحق والعمل الصالح، والثاني أوفق لصدر الآية بما تقدم من معناه، وإنما أضيف إليهم لان الدين أعني الدعوة الحقة مختلفة بالنسبة إلى الناس بالاجمال والتفصيل والذي يذكره القرآن آخر مراحل التفصيل لكون شريعته آخر الشرائع.
والمعنى: لم يتبع الحق أهواءهم بل جئناهم بكتاب يذكرهم - أو يذكرون به - دينهم الذي يختص بهم ويتفرع عيه أنهم عن دينهم الخاص بهم معرضون.
وقال كثير منهم إن إضافة الذكر إليهم للتشريف نظير قوله: " وإنه لذكر
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»
الفهرست