تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣٩٢
ومع الغض عن ذلك فمتن الرواية لا يخلو عن تدافع فإن كان المراد بكون الخلافة من الله تعالى أن سلطانه على الناس بتقدير من الله وبعبارة أخرى انتسابها التكويني إلى الله سبحانه كما ورد في ملك نمرود من قوله تعالى: " أن آتاه الله الملك " البقرة:
258، وقوله حكاية عن فرعون: " أليس لي ملك مصر " الزخرف: 51، فمن البين أن الخلافة بهذا المعنى لا تستتبع وجوب الطاعة وحرمة المخالفة وإلا كان نقضا لأصل الدعوة الدينية وإيجابا لطاعة أمثال نمرود وفرعون وكم لها من نظير، وإن كان المراد به الجعل الوضعي الديني وبعبارة أخرى انتسابها التشريعي إلى الله تعالى ثم وجبت طاعته فيما يأمر به وإن كان معصية كان ذلك نقضا صريحا للأحكام، وإن كان الواجب طاعته في غير معصية الله لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " جازت مفارقة الجماعة في الجملة وهو يناقض صدر الرواية.
ونظير الاشكال يجري في قوله ذيلا: " عليك أنت بالطاعة فيما أمر الله به " فلو كان المراد مما أمر الله به طاعته مقام الخلافة وإن كان في معصية كان نقضا صريحا لتشريع الاحكام وإن كان المراد به طاعة الله وإن استلزم معصية مقام الخلافة كان ناقضا لصدر الرواية.
وقد اتضح اليوم بالأبحاث الاجتماعية أن إمضاء حكومة من لا يحترم القوانين المقدسة الجارية لا يرضي به مجتمع عاقل رشيد فمن الواجب تنزيه ساحة مشرع الدين عن ذلك، والقول بأن مصلحة حفظ وحدة الكلمة واتفاق الأمة أهم من حفظ بعض الأحكام بالمفارقة معناه جواز هدم حقيقة الدين لحفظ اسمه.
وفي الدر المنثور أيضا أخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن مسروق قال: كنت متكئا عند عائشة فقالت عائشة: ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية. قلت: وما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية قال: وكنت متكئا فجلست وقلت: يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجلي علي ألم يقل الله: " ولقد رآه في الأفق المبين " " ولقد رآه نزلة أخرى "؟
(٣٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 ... » »»
الفهرست