الأمم في زمان واحد وهم أحياء، و (من) في قوله: (من كل أمة) للتبعيض، وفي قوله: (ممن يكذب) للتبيين أو للتبعيض.
والمراد بالآيات في قوله: (يكذب بآياتنا) مطلق الآيات الدالة على المبدء والمعاد ومنها الأنبياء والأئمة والكتب السماوية دون الساعة وما يقع فيها وعند قيامها ودون الآيات القرآنية فقط لان الحشر ليس مقصورا على الأمة الاسلامية بل أفواج من أمم شتى.
ومن العجيب إصرار بعضهم على أن الكلام نص في أن المراد بالآيات ههنا وفي الآية التالية هي الآيات القرآنية قال: لأنها هي المنطوية على دلائل الصدق التي لم يحيطوا بها مع وجوب أن يتأملوا ويتدبروا فيها لا مثل الساعة وما فيها انتهى.
وفساده ظاهر لان عدم كون أمثال الساعة وما فيها مرادة لا يستلزم إرادة الآيات القرآنية مع ظهور أن المحشورين أفواج من جميع الأمم وليس القرآن إلا كتابا لفوج واحد منهم.
وظاهر الآية أن هذا الحشر في غير يوم القيامة لأنه حشر للبعض من كل أمة لا لجميعهم وقد قال الله تعالى في صفة الحشر يوم القيامة: (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) الكهف: 47.
وقيل: المراد بهذا الحشر هو الحشر للعذاب بعد الحشر الكلي الشامل لجميع الخلق فهو حشر بعد حشر.
وفيه أنه لو كان المراد الحشر إلى العذاب لزم ذكر هذه الغاية دفعا للابهام كما في قوله تعالى: (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاؤها) حم السجدة: 20، مع أنه لم يذكر فيما بعد هذه الآية إلا العتاب والحكم الفصل دون العذاب والآية كما ترى مطلقه لم يشر فيها إلى شئ يلوح إلى هذا الحشر الخاص المذكور ويزيدها إطلاقا قوله بعدها: (حتى إذا جاؤوا) فلم يقل: حتى إذا جاؤوا العذاب أو النار أو غيرها.
ويؤيد ذلك أيضا وقوع الآية الآيتين بعدها بعد نبأ دابة الأرض وهي من أشراط الساعة وقبل قوله: (ويوم ينفخ في الصور) إلى آخر الآيات الواصفة لوقائع يوم القيامة، ولا معنى لتقديم ذكر واقعة من وقائع يوم القيامة على ذكر شروعه ووقوع عامة ما يقع فيه فإن الترتيب الوقوعي يقتضي ذكر حشر فوج من كل أمة لو كان من وقائع يوم القيامة بعد ذكر نفخ الصور وإتيانهم إليه داخرين.