جيد إلا أنه أولا: يوجب انقطاع الآية عما قبلها وما بعدها من آيات القيامة وثانيا:
ينقطع بذلك اتصال قوله: (إنه خبير بما يفعلون) بما قبله.
قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون) هذه الآية وما بعدها - كما تقدمت الإشارة إليه - تفصيل لقوله: (إنه خبير بما يفعلون) من حيث أثره الذي هو الجزاء، والمراد بقوله: (من جاء بالحسنة فله خير منها) أن له جزاء هو خير مما جاء به من الحسنة وذلك لان العمل أيا ما كان مقدمة للجزاء مقصود لأجله والغرض والغاية على أي حال أفضل من المقدمة.
وقوله: (وهم من فزع يومئذ آمنون) ظاهر السياق أن هذا الفزع هو الفزع بعد نفخ الصور الثاني دون الأول فيكون في معنى قوله: (لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون) الأنبياء: 103.
قوله تعالى: (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) يقال: كبه على وجهه فانكب أي ألقاه على وجهه فوقع عليه فنسبة الكب إلى وجوههم من المجاز العقلي والأصل فكبوا على وجوههم.
وقوله: (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) الاستفهام للانكار، والمعنى: ليس جزاؤكم هذا إلا نفس العمل الذي عملتموه ظهر لكم فلزمكم فلا ظلم في الجزاء ولا جور في الحكم.
والآيتان في مقام بيان ما في طبع الحسنة والسيئة من الجزاء ففيهما حكم من جاء بالحسنة فقط ومن أحاطت به الخطيئة واستغرقته السيئة وأما من حمل حسنة وسيئة فيعلم بذلك حكمه إجمالا وأما التفصيل ففي غير هذا الموضع.
قوله تعالى: (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ) الآيات الثلاث - من هنا إلى آخر السورة ختام السورة يبين فيها أن هذه الدعوة الحقة تبشير وإنذار فيه إتمام للحجة من غير أن يرجع إليه صلى الله عليه وآله وسلم من أمرهم شئ وإنما الامر إلى الله وسيريهم آياته فيعرفونها ليس بغافل عن أعمالهم.
وفي قوله: (إنما أمرت) الخ، تكلم عن لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو في معنى: قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة، والمشار إليها بهذه الإشارة مكة المشرفة، وفي الكلام تشريفها من وجهين: إضافة الرب إليها، وتوصيفها بالحرمة حيث قال: