فقوله: " إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون " يشير إلى ما يقصه القرآن من قصص الأنبياء ويبين الحق فيما اختلفوا فيه من أمرهم ومنه أمر المسيح ع ويبين الحق فيما اختلفوا فيه من المعارف والاحكام. وقوله: " وإنه لهد ورحمة للمؤمنين " يشير إلى أنه يهدي المؤمنين بما قصه على بني إسرائيل إلى الحق وأنه رحمة لهم تطمئن به قلوبهم ويثبت الايمان بذلك في نفوسهم.
وقوله: " إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم " إشارة إلى أن القضاء بينهم إلى الله فهو ربه العزيز الذي لا يغلب في أمره العليم لا يجهل ولا يخطئ في حكمه فهو القاضي بينهم بحكمه فلترض نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم بربه العزيز العليم قاضيا حكما ولترجع الامر إليه كما ينبغي أن تفعل مثل ذلك في حق المشركين ولا تحزن عليهم ولا تكون في ضيق مما يمكرون.
قوله تعالى: " فتوكل على الله إنك على الحق المبين " تفريع على مجموع ما أمر به قبال كفر المشركين واختلاف بني إسرائيل أي إن أمرهم جميعا إلى الله لا إليك فاتخذه وكيلا فهو كافيك ولا تخافن شيئا إنك في أمن من الحق.
قوله تعالى: " إنك لا تسمع الموتى - إلى قوله - فهم مسلمون " تعليل للامر بالتوكل أي إنما أمرناك بالتوكل على الله في أمر إيمانهم وكفرهم لانهم موتى وليس في وسعك أن تسمع الموتى دعوتك وإنهم صم لا يسمعون وعمي ضالون لا تقدر على إسماع الصم إذا ولوا مدبرين - ولعله قيد عدم إسماع الصم بقوله: " إذا ولوا مدبرين " لانهم لو لم يكونوا مدبرين لأمكن تفهيمهم بنوع من الإشارة - ولا على هداية العمي عن ضلالتهم، وإنما الذي تقدر عليه هو أن تسمع من يؤمن بآياتنا الدالة علينا وتهديهم فإنهم لاذعانهم بتلك الحجج الحقة مسلمون لنا مصدقون بما تدل عليه.
وقد تبين بهذا البيان أولا: أن المراد بالاسماع الهداية.
وثانيا: أن المراد بالآيات الحجج الدالة على التوحيد وما يتبعه من المعارف الحقة.
وثالثا: أن من تعقل الحجج الحقة من آيات الآفاق والأنفس بسلامة من العقل.
ثم استسلم لها بالايمان والانقياد ليس هو من الموتى ولا ممن ختم الله على سمعه وبصره.