تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣٨٧
وقد ظهر بهذا البيان أن تكرر كلمة الاضراب لبيان مراتب الحرمان من العلم بالآخرة وأنهم في أعلاها، فقوله: " بل ادارك علمهم في الآخرة " أي لا علم لهم بها كأنها لم تقرع سمعهم، وقوله: " بل هم في شك منها " أي انه قرع سمعهم خبرها وورد قلوبهم لكنهم ارتابوا ولم يصدقوا بها، وقوله: " بل هم منها عمون " أي إنهم لم ينقطعوا عن الاعتقاد بها من عند أنفسهم وباختيار منهم بل الله سبحانه أعمى أبصار قلوبهم فصاروا عمين فهيهات أن يدركوا من أمرها شيئا.
وقيل: المراد بتدارك علمهم تكامله وبلوغه حد اليقين لتكامل الحجج الدالة على حقية البعث والجملة مسوقة للتهكم، وفيه أنه لا يلائم ما يتبعه من الاضراب بالشك والعمى.
قوله تعالى: " وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون - إلى قوله - الأولين " حكاية حجة منهم لنفي البعث مبنية على الاستبعاد أي كيف يمكن أن نخرج من الأرض بشرا تأمين كما نحن اليوم وقد متنا وكنا ترابا نحن وآباؤنا كذلك؟
وقوله: " لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل " حجة أخرى منهم مبنية على الاستبعاد أي لقد وعدنا هذا وهو البعث بعد الموت نحن وآباؤنا وعدوه قبل أن يعدنا هذا النبي والذين وعدوا قبلا هم الأنبياء الماضون فهو وعد قديم لم نزل نوعد به ولو كان خبرا صادقا ووعدا حقا لوقع إلى هذا اليوم وإذ لم يقع فهو من الخرافات التي اختلقها الأولون وكانوا مولعين باختلاق الأوهام والخرافات والاصغاء إليها.
قوله تعالى: " قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين " إنذار وتخويف لهم على إنكار هم وعد الأنبياء بالبعث بأمرهم أن يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة المجرمين المكذبين للأنبياء المنذرين لهم بالبعث فإن في النظر إلى عاقبة أمرهم على ما تدل عليه مساكنهم الخربة وديارهم الخالية كفاية للمعتبرين من أولي الابصار، وفي التعبير عن المكذبين بالمجرمين لطف بالمؤمنين في ترك الجرائم.
كذا قيل.
ويمكن أن تقرر الآية حجة تدل على المعاد وتقريبها أن انتهاء عاقبة أمر المجرمين
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 ... » »»
الفهرست