فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: جبريل. لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض. قالت: ألم تسمع الله عز وجل يقول: " لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير "؟ أولم تسمع الله يقول: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا - إلى قوله - علي حكيم ".
ومن زعم أن محمدا كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية والله جل ذكره يقول: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ".
قالت: ومن زعم أنه يخبر الناس بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية والله تعالى يقول: " قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ".
أقول: وفي متن الرواية شئ أما آيات الرؤية فإنما تنفي رؤية الحس دون رؤية القلب وهي من الرؤية وراء الايمان الذي هو الاعتقاد وقد أشبعنا الكلام فيها في الموارد المناسبة له.
وأما قوله تعالى: " يا أيها الرسول بلغ " الآية فقد أوضحنا في تفسير الآية أنها خاصة غير عامة ولو فرضت عامة فإنما تدل على أن كل ما أنزل إليه مما فيه رسالة وجب عليه تبليغه ومن الجائز أن ينزل إليه ما يختص علمه به صلى الله عليه وآله وسلم فيكتمه عن غيره.
وأما قوله: " قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله " فلا يدل إلا على اختصاص علم الغيب بالذات به تعالى كسائر آيات اختصاص الغيب به، ولا ينفي علم الغير به بتعليم منه تعالى كما يشير إليه قوله: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول " الجن: 27، وقد حكى الله سبحانه نحوا من هذا الاخبار عن المسيح عليه السلام إذ قال: " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون " آل عمران: 49، ومن المعلوم أن القائل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخبر الناس بما يكون في غد لا ينفي كون ذلك بتعليم من الله له.
وقد تواترت الاخبار على تفرقها وتنوعها من طرق الفريقين على إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بكثير من الحوادث المستقبلة.