تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣٩٨
وقد تنبه لهذا الاشكال بعض من حمل الآية على الحشر يوم القيامة فقال: لعل تقديم ذكر هذه الواقعة على نفخ الصور ووقوع الواقعة للايذان بأن كلا مما تضمنه هذا وذاك من الأحوال طامة كبرى وداهية دهياء حقيقة بالتذكير على حيالها ولو روعي الترتيب الوقوعي لربما توهم أن الكل داهية واحدة.
وأنت خبير بأنه وجه مختلق غير مقنع، ولو كان كما ذكر لكان دفع توهم كون الحشر المذكور في الآية في غير يوم القيامة بوضع الآية بعد آية نفخ الصور مع ذكر ما يرتفع به الابهام المذكور أولى بالرعاية من دفع هذا التوهم الذي توهمه.
فقد بأن أن الآية ظاهرة في كون هذا الحشر المذكور فيها قبل يوم القيامة وإن لم تكن نصا لا يقبل التأويل.
قوله تعالى: (حتى إذا جاؤوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون) المراد بالمجئ - بإعانة من السياق - هو الحضور في موطن الخطاب المدلول عليه بقوله: (قال أكذبتم) الخ والمراد بالآيات - كما تقدم في الآية السابقة - مطلق الآيات الدالة على الحق، وقوله: (ولم تحيطوا بها علما) جملة حالية أي كذبتم بها حال كونكم لا علم لكم بها لاعراضكم عنها فكيف كذبتم بما لا تعلمون أي رميتموها بالكذب وعدم الدلالة من غير علم، وقوله: (أم ماذا كنتم تعملون) أي غير التكذيب.
والمعنى: حتى إذا حضروا في موطن الخطاب قال الله سبحانه لهم: أكذبتم بآياتي حال كونكم لم تحيطوا بها علما أم أي شئ كنتم تعملون غير التكذيب، وفي ذلك عتابهم بأنهم لم يشتغلوا بشئ غير تكذيبهم بآيات الله من غير أن يشغلهم عنه شاغل معذر.
قوله تعالى: (ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون) الباء في (بما ظلموا) للسببية و (ما) مصدريه أي وقع القول عليهم بسبب كونهم ظالمين، وقوله: (فهم لا ينطقون) تفريع على وقوع القول عليهم.
وبذلك يتأيد أن المراد بالقول الذي يقع عليهم قوله تعالى: (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) الانعام: 144، والمعنى: ولكونهم ظالمين في تكذيبهم بالآيات لم يهتدوا إلى ما يعتذرون به فانقطعوا عن الكلام فهم لا ينطقون.
وربما فسر وقوع القول عليهم بوجوب العذاب عليهم والأنسب على هذا أن يكون المراد بالقول الواقع عليهم قضاؤه تعالى بالعذاب في حق الظالمين في مثل قوله:
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»
الفهرست