تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣٨٦
والجن وقديسو البشر - الغيب وما يشعرون أيان يبعثون، ولو كانوا آلهة لهم تدبير أمر الخلق - ومن التدبير الجزاء يوم البعث - لعلموا بالساعة.
وقد ظهر بهذا البيان أن قوله: " لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله " برهان مستقل على بطلان ألوهية آلهتهم واختصاص الألوهية به تعالى وحده وأن قوله: " وما يشعرون أيان يبعثون " من عطف أوضح أفراد الغيب عليه وأهمها علما بالنسبة إلى أمر التدبير.
وظهر أيضا ان ضميري الجمع في " وما يشعرون أيان يبعثون " لمن في السماوات لعدم تمام البيان بدونه.
فقول بعضهم: إن الضمير للمشركين وان كان عدم الشعور بما ذكر عاما لئلا يلزم التفكيك بينه وبين الضمائر الآتية الراجعة إليهم قطعا.
فيه أنه ينافي ما سيقت له الآية الكريمة من البيان كما قدمنا الإشارة إليه والتفكيك بين الضمائر مع وجود القرينة لا بأس به.
قوله تعالى: " بل أدارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون " ادارك في الأصل تدارك والتدارك تتابع أجزاء الشئ بعضها بعد بعض حتى تنقطع ولا يبقى منها شئ، ومعنى تدارك علمهم في الآخرة أنهم صرفوا ما عندهم من العلم في غيرها حتى نفد علمهم فلم يبق منه شئ يدركون به أمر الآخرة على حد قوله تعالى:
" فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم " النجم: 30 و " عمون " جمع عمي.
لما انتهى احتجاجه تعالى إلى ذكر عدم شعور أحد غيره تعالى بوقت البعث وتبكيت المشركين بذلك رجع إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وذكره انهم في معزل عن الخطاب بذلك إذ لا خبر لهم عن شئ عن أمور الآخرة فضلا عن وقت قيام الساعة وذلك أنهم صرفوا ما عندهم من العلم في جهات الحياة الدنيا فهم في جهل مطلق بالنسبة إلى أمور الآخرة بل هم في شك من الآخرة يرتابون في أمرها كما يظهر من احتجاجاتهم على نفيها المبنية على الاستبعاد بل هم منها عمون والله أعمى قلوبهم عن التصديق بها والاعتقاد بوجودها.
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»
الفهرست