تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣١
صلى الله عليه وآله وسلم وبيان أن هذه الدعوة مع ما جرى معها كانت ابتلاء أي امتحانا اختبارا إليها.
قوله تعالى: " ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين " إلى آخر الآية الثانية. القرن أهل عصر واحد، وقوله: " أن اعبدوا الله " تفسير لارسال الرسول من قبيل تفسير الفعل بنتيجته كقوله تعالى: " تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا " حم السجدة: 30.
قوله تعالى: " قال الملا من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا " هؤلاء أشرافهم المتوغلون في الدنيا المخلدون إلى الأرض يغرون بقولهم هذا عامتهم على رسولهم.
وقد وصفهم الله بصفات ثلاث وهي: الكفر بالله بعبادة غيره، والتكذيب بلقاء الآخرة - أي بلقاء الحياة الآخرة بقرينة مقابلتها لقوله: " في الحياة الدنيا " -، ولكفرهم بالمبدأ والمعاد انقطعوا عما وراء الدنيا فانكبوا عليها ثم لما أترفوا في الحياة الدنيا وتمكنوا من زخارفها وزيناتها الملذة اجتذبتهم الدنيا إلى نفسها فاتبعوا الهوى ونسوا كل حق وحقيقة، ولذلك تفوهوا تارة بنفي التوحيد والرسالة وتارة بإنكار المعاد وتارة ردوا الدعوة بإضرارها دنياهم وحريتهم في اتباع هواهم.
فتارة قالوا لعوامهم مشيرين إلى رسولهم إشارة المستحقر المستهين بأمره: " ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون " يريدون به تكذيبه في دعوته ودعواه الرسالة على ما مر من تقرير حجتهم في قصة نوح السابقة.
وفي استدلالهم على بشريته ومساواته سائر الناس بأكله وشربه مثل الناس وذلك من خاصة مطلق الحيوان دليل على أنهم ما كانوا يرون للانسان إلا كمال الحيوان ولا فضيلة إلا في الأكل والشرب ولا سعادة إلا في التمكن من التوسع والاسترسال من اللذائذ الحيوانية كما قال تعالى: " أولئك كالانعام " الأعراف: 179، وقال: " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام " سورة محمد: 12.
وتارة قالوا: " ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون " وهو في معنى قولهم في القصة السابقة: " يريد أن يتفضل عليكم " يريدون به أن في اتباعه وإطاعته فيما يأمركم به مع كونه بشرا مثلكم من غير فضل له عليكم خسرانكم وبطلان سعادتكم في
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»
الفهرست