تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٩
يتفق لهم وفي أعصارهم ما يناظر هذه الدعوة فليست إلا بدعة وأحدوثة كاذبة.
والرابع قولهم: " إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين "، الجنة إما مصدر أي به جنون أو مفردا لجن أي حل به من الجن من يتكلم على لسانه لأنه يدعي ما لا يقبله العقل السليم ويقول ما لا يقوله إلا مصاب في عقله فتربصوا وانتظروا به إلى حين ما لعله يفيق من حالة جنونه أو يموت فنستريح منه.
وهذه حجج مختلقة ألقاها ملا قومه إلى عامتهم أو ذكر كلا منها بعضهم وهي وإن كانت حججا جدلية مدخولة لكنهم كانوا ينتفعون بها حينما يلقونها إلى الناس فيصرفون وجوههم عنه ويغرونهم عليه ويمدون في ضلالهم.
قوله تعالى: " قال رب انصرني بما كذبون " سؤال منه للنصر والباء في قوله: " بما كذبون " للبدلية والمعنى انصرني بدل تكذيبهم لي أو للآلة وعليه فالمعنى انصرني بالذي كذبوني فيه وهو العذاب فإنهم قالوا: " فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين " هود: 32، ويؤيده قول نوح: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " نوح 26، وفصل الآية لكونها في معنى جواب السؤال.
قوله تعالى: " فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا " إلى آخر الآية.
متفرع على سؤال النصر، ومعنى صنع الفلك بأعينه صنعة بمرئى منه وهو كناية عن كونه تحت مراقبته تعالى ومحافظته، ومعنى كون الصنع بوحيه كونه بتعليمه الغيبي حالا بعد حال.
وقوله: " فإذا جاء أمرنا وفار التنور " المراد بالامر - كما قيل - حكمه الفصل بينه وبين قومه وقضاؤه فيهم بالغرق، والسياق يشهد على كون فوران التنور بالماء أمارة نزول العذاب عليهم وهو أعني فوران الماء من التنور وهو محل النار من عجيب الامر في نفسه.
وقوله: " فاسلك فيها من كل زوجين اثنين " القراءة الدائرة " من كل " بالتنوين والقطع عن الإضافة، والتقدير من كل نوع من الحيوان، والسلوك فيها الادخال في الفلك والظاهر أن " من " لابتداء الغاية والمعنى فأدخل في الفلك زوجين اثنين: ذكر وأنثى من كل نوع من الحيوان.
وقوله: " وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم " معطوف على قوله: " زوجين "
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست