رجاء لرحمته أو خوفا من سخطه، وقوله بالتفريع على ذلك: " أفلا تتقون " أي إذا لم يكن لكم رب يدبر أموركم دونه أفلا تتقون عذابه حيث لا تعبدونه وتكفرون به؟
قوله تعالى: " قال الملا الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم - إلى قوله - حتى حين " ملا القوم أشرافهم، ووصفهم بقوله: " الذين كفروا من قومه " وصف توضيحي لا احترازي إذ لم يؤمن به من ملا قومه أحد بدليل قولهم على ما حكاه الله: " وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي " هود: 27.
والسياق يدل على أن الملا كانوا يخاطبون بمضمون الآيتين عامة الناس لصرف وجوههم عنه وإغرائهم عليه وتحريضهم على إيذائه وإسكاته، وما حكاة تعالى من أقاويلهم في الآيتين وجوه أربعة أو خمسة من فرية أو مغالطة لفقوها واحتجوا بها على بطلان دعوته.
الأول قولهم: " ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم " ومحصله أنه بشر مثلكم فلو كان صادقا فيما يدعيه من الوحي الإلهي والاتصال بالغيب كان نظير ما يدعيه متحققا فيكم إذ لا تنقصون منه في شئ من البشرية ولوازمها، ولم يتحقق فهو كاذب وكيف يمكن أن يكون كمال في وسع البشر أن يناله ثم لا يناله إلا واحد منهم فقط ثم يدعيه من غير شاهد يشهد عليه؟ فلم يبق إلا أنه يريد بهذه الدعوة أن يتفضل عليكم ويترأس فيكم ويؤيده أنه يدعوكم إلى اتباعه وطاعته وهذه الحجة تنحل في الحقيقة إلى حجتين مختلقتين.
والثاني قولهم: " ولو شاء الله لأنزل ملائكة " ومحصله أن الله سبحانه لو شاء أن يدعونا بدعوة غيبية لاختار لذلك الملائكة الذين هم المقربون عنده والشفاء الروابط بيننا وبينه فأرسلهم إلينا لا بشرا ممن لا نسبة بينه وبينه. على أن في نزولهم واعترافهم بوجوب العبادة له تعالى وحده وعدم جواز اتخاذهم أربابا وآلهة معبودين آية بينة على صحة الدعوة وصدقها.
والتعبير أن إرسال الملائكة بإنزالهم إنما هو لكون إرسالهم يتحقق بالانزال والتعبير بلفظا الجمع دون الافراد لعله لكون المراد بهم الآلهة المتخذة منهم وهم كثيرون.
والثالث قولهم: " ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين " ومحصله أنه لو كانت دعوته حقة لا تفق لها نظير فيما سلف من تاريخ الانسانية، وآباؤنا كانوا أفضل منا وأعقل ولم