تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣٥
تقدم أن الآية هي ولادة عيسى عيه السلام لا لخارقة للعادة وإذ كانت أمرا قائما به وبأمه معا عدا جميعا آية واحدة.
والايواء من الاوي وأصله الرجوع ثم استعمل في رجوع الانسان إلى مسكنة ومقره، وآواه إلى مكان كذا أي جعله مسكنا له والربوة المكان المرتفع المستوي الواسع، والمعين الماء الجاري.
والمعنى وجعلنا عيسى بن مريم وأمه مريم آية دالة على ربوبيتنا وأسكناهما في مكان مرتفع مستو وسيع فيه قرار وماء جار.
قوله تعالى: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم " خطاب لعامة الرسل بأكل الطيبات وكأن المراد بالاكل منها الارتزاق بها بالتصرف فيها سواء كان بأكل أو غيره وهو استعمال شائع.
والسياق يشهد بأن في قوله: " كلوا من الطيبات " امتنانا منه تعالى عليهم، ففي قوله عقيبه: " واعملوا صالحا " أمر بمقابلة المنة بصالح العمل وهو شكر للنعمة وفي تعليله بقوله: " إني بما تعملون عليم " تحذير لهم من مخالفة أمره وبعث إلى ملازمه التقوى.
قوله تعالى: " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون " تقدم تفسير نظيرة الآية في سورة الأنبياء.
قوله تعالى: " تقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون " في المجمع أن التقطع والتقطيع بمعنى واحد، والزبر بضمتين جمع زبور وهو الكتاب، والكلام متفرع على ما تقدمه، والمعنى أن الله أرسل إليهم رسله تترى والجميع أمة وواحدة لهم رب واحد دعاهم إلى تقواه لكنهم لم يأتمروا بأمره وقطعوا أمرهم بينهم قطعا وجعلوه كتبا اختص بكل كتاب حزب وكل حزب بما لديهم فرحون.
وفي قراءة ابن عامر " زبرا " بفتح الباء وهو جمع زبرة وهي الفرقة، والمعنى وتفرقوا في أمرهم جماعات وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون وهي أرجح.
قوله تعالى: " فذرهم في غمرتهم حتى حين " قال في المفردات: الغمرة معظم الماء الساترة لمقرها وجعل مثلا للجهالة التي يغمر صاحبها، انتهى. وفي الآية تهديد
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»
الفهرست