تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٧
عبادته من طريق الرسالة وقص إجمال دعوة الرسل من لدن نوح إلى عيسى بن مريم عليهما السلام، ولم يصرح من أسمائهم إلا باسم نوح وهو أول الناهضين لدعوة التوحيد واسم موسى وعيسى عليهما السلام وهما في آخرهم، وأبهم أسماء الباقين غير أنه صرح باتصال الدعوة وتواتر الرسل، وأن الناس لم يستجيبوا إلا بالكفر بآيات الله والكفران لنعمه.
قوله تعالى: " ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون " قد تقدم في قصص نوح عليه السلام من سورة هود أنه أول أولى العزم من الرسل أصحاب الكتب والشرائع المبعوثين إلى عامة البشر والناهضين للتوحيد ونفي الشرك، فالمراد بقومه أمته وأهل عصره عامة.
وقوله: " اعبدوا الله ما لكم من إله غيره " دعوة إلى عبادة الله ورفض عبادة الآلهة من دونه فإن الوثنيين إنما يعبدون غيره من الملائكة والجن والقديسين بدعوى ألوهيتهم أي كونهم معبودين من دونه.
قال بعض المفسرين: إن معنى " اعبدوا الله " اعبدوه وحده كما يفصح عنه قوله في سورة هود: " ألا تعبدوا إلا الله " وترك التقييد به للايذان بأنها هي العبادة فقط وأما العبادة مع الاشراك فليست من العبادة في شئ رأسا. انتهى.
وفيه غفلة أو ذهول عن أن الوثنيين لا يعبدون الله سبحان أصلا بناء على أن العبادة توجه من العابد إلى المعبود، والله سبحانه أجل من أن يحيط به توجه متوجه أو علم عالم، فالوجه أن يتقرب إلى خاصة خلقه من الملائكة وغيره ليشفعوا عنده ويقربوا منه، والعبادة بإزاء التدبير وأمر التدبير مفوض إليهم منه تعالى فهم الآلهة المعبودون والأرباب من دونه.
ومن هنا يظهر أنه لو جازت عبادته تعالى عندهم لم يجز إلا عبادته وحده لانهم لا يرتابون في أنه تعالى رب الأرباب موجد الكل ولو صحت عبادته لم تجز إلا عبادته وحده ولم تصح عبادة غيره لكنهم لا يرون صحتها بناء على ما زعموه من الوجه المتقدم.
فقوله عليه السلام لقومه الوثنيين: " اعبدوا الله " في معنى أن يقال: اعبدوا الله وحده كما ورد في سورة هود " أن لا تعبدوا إلا الله "، وقوله: " ما لكم من إله غيره " في معنى أن يقال: ما لكم من معبود سواه لأنه لا رب غيره يدبر أمركم حتى تعبدوه
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»
الفهرست