تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣٢
الحياة إذ لا حياة إلا الحياة الدنيا ولا سعادة فيها إلا الحرية في التمتع من لذائذها، وفي طاعة من لا فضل له عليكم رقيتكم وزوال حريتكم وهو لخسران.
وتارة قالوا: " أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون " أي مبعوثون من قبوركم للحساب والجزاء " هيهات هيهات لما توعدون " وهيهات كلمة استبعاد وفي تكراره مبالغة في الاستبعاد " إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا " أي يموت قوم منا في الدنيا ويحيا آخرون فيها لانزال كذلك " وما نحن بمبعوثين " للحياة في دار أخرى وراء الدنيا.
ويمكن أن يحمل قولهم: " نموت ونحيا " على التناسخ وهو خروج الروح بالموت من بدن وتعلقها ببدن آخر إنساني أو غير إنساني فإن التناسخ مذهب شائع عند الوثنيين وربما عبروا عنه بالولادة بعد الولادة لكنه لا يلائم سياق الآيات كثير ملاءمة.
وتارة قالوا: " إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين " يريدون به تكذيب دعواه الرسالة مع ما احتوت عليه دعوته وقد أنكروا التوحيد والمعاد قبل ذلك.
ومرادهم بقولهم: " نحن " نفسهم وعامتهم أشركوا أنفسهم عامتهم لئلا يتهمهم العامة فيما يأمرونهم به من الكفر بالرسول، ويمكن ان يكون المراد به أنفسهم خاصة دون العامة وإنما أخبروا بعدم إيمانهم ليقتدوا بهم فيه.
وقد نشأت هذه الأقاويل من اجتماع الصفات التي وصفهم الله به في أول الآيات وهي إنكار التوحيد والنبوة والمعاد والاتراف في الحياة الدنيا.
واعلم أن في قوله في صدر الآيات: " وقال الملا من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم " قدم قوله: " من قومه " على " الذين كفروا " بخلاف ما في القصة السابقة من قوله: " فقال الملا الذين كفروا من قومه " لأنه لو وقع بعد " الذين كفروا " اختل به ترتيب الجمل المتوالية " كفروا " " وكذبوا " " وأترفناهم " ولو وقع بعد الجميع طال الفصل.
قوله تعالى: " قال رب انصرني " بما كذبون " تقدم تفسيره في القصة السابقة.
قوله تعالى: " قال عما قليل ليصبحن نادمين " استجابة لدعوة الرسول وصيرورتهم نادمين كناية عن حلول عذاب الاستئصال بهم، وقوله: " عما قليل " عن
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست